انتقل إلى المحتوى

صفحة:روح المعاني11.pdf/27

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
٢٧

المختصة تفسير قوله تعالى : ( يقاتلون في سبيل الله) الخ ٢٧ المبيع الذي هو العمدة والمقصد في العقد أنفس المؤمنين وأموالهم والثمن الذى هو الوسيلة في الصفقة الجنة، ولم يعكس بأن يقال : إن الله باع الجنة من المؤمنين بأنفسهم وأموالهم ليدل على أن المقصد بالعقد هو الجنة وما بذله المؤمنون فى مقابلتها وسيلة اليها بكمال العناية بهم وبأموالهم ثم إنه تعالى لم يقل بالجنة بل قال عز شانه : ( بأن لهم الجنة ) مبالغة في تقرير وصول الثمن اليهم واختصاصه بهم كأنه قيل : بالجنة الثابتة لهم بهم ، ومن هنا يعلم أن هذه القراءة أبلغ من قراءة الأعمش و نسبت أيضا إلى عبد الله رضى الله تعالى عنه بالجنة على أنها أوفق بسبب النزول . فقد أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي . وغيره أنهم قالوا : قال عبد الله بن رواحة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: اشترط لربك و لنفسك ماشئت. قال : أشترط لر بي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسى ان تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم قالوا : فما لنا ؟ قال : الجنة قالوا : ربح البيع لا تقيل ولا نستقيل فنزلت ان الله اشترى الآية » • وقيل : عبر بذلك مدحا للمؤمنين بأنهم بذلوا أنفسهم وأموالهم بمجرد الوعد لكمال ثقتهم بوعده تعالى مع أن تمام الاستعارة موقوف على ذلك إذ لو قيل بالجنة لاحتمل كون الشراء على حقيقته لأنها صالحة للعوضية بخلاف الوعد بها ، واعترض بأن مناط دلالة ما عليه النظم الجليل على الوعد ليس كونه جملة ظرفية مصدرة بأن فان ذلك بمعزل من الدلالة على الاستقبال بل هو الجنة التي يستحيل وجودها في عالم الدنيا ولو سلم ذلك يكون العوض الجنة الموعود بها لانفس الوعد بها ، على أن حديث احتمال كون الشراء حقيقة لو قيل بالجنة لا يخلو عن نظر كما قيل لأن حقيقة الشراء الا يصح منه تعالى لأنه جل شأنه مالك الكل والشراء إنما يكون ممن لا يملك ، ولهذا قال الفقهاء : طلب الشراء يبطل دعوى الملكية ، نعم قد لا يبطل في بعض الصور ما إذا اشترى الأب داراً لطفله من نفسه فكبر الطفل ولم يعلم ثم باعها الأب وسلمها للمشترى ثم طلب الابن شراء هامنه ثم علم بما صنع أبوه فادعى الدار فانه تقبل دعواه ولا يبطلها ذلك الطلب كما يقتضيه كلام الاستروشنى لكن هذا لا يضرنا فيما نحن فيه ، ومن المحققين من وجه دلالة ما في النظم الكريم على الوعد بأنه يقتضى بصريحه عدم التسليم وهو عين الوعد لأنك إذا قلت : اشتريت منك كذا بكذا احتمل النقد بخلاف ما إذا قلت : بأن لك كذا فانه في معنى لك على كذا وفى ذمتى، واللام هنا ليست الملك إذ لا يناسب شراء ملكه بملكه كالممهورة إحدى خدمتيها فهى للاستحقاق وفيه إشعار بعدم القبض ، وأما كون تمام الاستعارة موقوفا على ذلك فله وجه أيضا حيث كان المراد بالاستعارة الاستعارة التمثيلية إذ لولاه لصبح جعل الشراء مجازاً عن الاستبدال ما لا ينبغى الالتفات اليه مع تأتى التمثيل المشتمل من البلاغة واللطائف على مالا يخفى ، لكن أنت خبير بأن الكلام بعد لا يخلو عن بحث ، وما أشرنا إليه من فضيلة التمثيل يعلم انحطاط القول باعتبار الاستعارة أو المجاز المرسل في (اشترى) وحده كما ذهب اليه البعض ، وقوله تعالى : ( يقاتلون في سبيل الله ) قيل بيان لمكان التسليم كما أشير اليه فيها تقدم ، وذلك لأن البيع لم كما قال الطيبي . وغيره ، وقيل : بيان لما لأجله الشراء كأنه لما قال سبحانه : (إن الله اشترى) الخ ، قيل : لماذا فعل ذلك ؟ فقيل : ليقاتلوا في سبيله تعالى وقيل : بيان للبيع الذى يستدعيه الاشتراء المذكور كأنه قيل : كيف يبيعون أنفسهم وأموالهم بالجنة ، فقيل : يقاتلون في سبيله عز شأنه وذلك بذل منهم لأنفسهم وأموالهم إلى جهته تعالى وتعريض لهما للهلاك، مثلا وه و