تفسير قوله تعالى : ( عسى ) الله أن يتوب عليهم ) الخ ١٣ والسي. في أحد الخلطين غير هما في الخلط الآخر ، وكلام الزمخشري ظاهر فى اتحادهما وفيه مافيه ، ولذلك رجح ما ذهب اليه السكاكى لكن ما ذكره من الاحباط ميل إلى مذهب المعتزلة ، وادعى بعضهم أن ما في الآية نوع من البديع يسمى الاحتباك و الأصل خلطو اعملا صالحا بآخر سيئ وخلطوا آخر سيئاً بعمل صالح، هو خلاف الظاهره واستظهر ابن المنير كون الخلط مضمنا معنى العمل والعدول عن الباء لذلك كا نه قيل : عملوا عملا صالحاً وآخر سينا، وأنا اختار أن الخلط بمعنى الجمع هنا وإذا اعتبر السياق وسبب النزول يكون المراد من العمل الصالح الاعتراف بالذارب من التخلف عن الغزو وما معه من السيئ تلك الذنوب أنفسها ويكون المقصود بالجمع المتوجه اليه أولا بالضم هو الاعتراف ، والتعبير عن ذلك بالخلط للاشارة إلى وقوع ذلك الاعتراف على الوجه الكامل حتى كانه تخلل الذنوب وغير صفتها ، وإذا لم يعتبر سبب النزول يجوز أن يراد من العمل الصالح الاعتراف بالذنوب مطلقاً ومن السىء الذنوب كذلك وتمام الكلام بحاله ، ويجوز أن يراد من العمل الصالح والسيئ ماصدر من الأعمال الحسنة والسيئة مطلقا ، ولعل المتوجه اليه أولى على هذا أيضاً ليجمع العمل الصالح إذ بضمه يفتح باب الخير، ففى الخبر «أتبع السيئة بالحسنة تمحها ، وقد حمل بعضهم الحسنة فيه على مطلقها ، وأخرج ابن سعد عن الاسود بن قيس قال: لقى الحسن بن على رضى الله تعالى عنهما يو ما حبيب ابن مسلمة فقال: يا حبيب رب مسير لك في غير طاعة الله تعالى فقال: أما مسيرى إلى أبيك فليس من ذلك قال: بلى ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة فلئن قام بك في دنياك فلقد قعد بك في دينك ولو كنت إذ فعلت شراً فعلت خيراً كان ذلك كما قال الله تعالى : ( خلطوا عملا صالحا وآخر سينا ) ولكنك كما قال الله تعالى : ( لا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) والتعبير بالخلط حينئذ يمكن أن يكون لما في ذلك من التغيير أيضاً، وربما يراد بالخلط مطلق الجمع من غير اعتبار أولية فى البين والتعبير بالخلط لعله لمجرد الايذان بالتخلل فان الجمع لا يقتضيه ، ويشعر بهذا الحمل ما أخرجه أبو الشيخ والبيهقي عن مطرف قال إلى لاستلقى من الليل على فراشي وأتدبر القرآن فأعرض أعمالى على أعمال أهل الجنة فاذا أعمالهم شديدة كانوا قليلا من الليل ما يهجعون يبيتون لربهم سجدا وقياما أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما فلاارانى منهم فأعرض نفسى على هذه الآية ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين إلى قوله سبحانه : ( نكذب بيوم الدين) فأرى القوم مكذبين فلا أرانى فيهم فأمر بهذه الآية ( وآخرون اعترفوا بذنوبهم) الخ وأرجو أن أكون أنا وأنتم يا اخوتاه منهم، وكذا ما أخرجاه وغيرهما عن أبي عثمان النهدى قال: ما في القرآن آية أرجى عندى لهذه الامة من قوله سبحانه: ( وآخرون) الخ والظاهر أنه لم يفهم منها صدور التوبة من هؤلاء الآخرين بل ثبت لهم الحكم المفهوم من قوله سبحانه : ( عسى الله ان يتوب عليهم ) مطلقا والا فهى وكثير من الآيات التى فى هذا الباب سواء وأرجى منها عندى قوله تعالى: (قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) والمشهور أن الآية يفهم منها ذلك لأن عنى قبول التوبة وهو يقتضى صدورها عنهم فكأنه قيل : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا واخر سيئا فتابوا عسى الخ . وجعل غير واحد الاعتراف دالا على التوبة ولعل ذلك لما بينهما من اللزوم عرفا ، وقال الشهاب: لأنه توبة إذا اقترن بالندم والعزم على عدم العود ، وفيه أن هذا قول بالعموم والخصوص وقد ذكروا أن العام لا يدل على الخاص باحدى الدلالات الثلاث، وظلمة (عسى) للاطماع وهو من اكرم الاكرمين ايجاب وأى إيجاب، وقوله تعالى: التوبة الله سبحانه من
صفحة:روح المعاني11.pdf/13
المظهر