مبحث في قوله تعالى : (فلما عتوا عما نهوا عنه الخ B ,, " حيز ٩٣ وقال الراغب : البؤس والبأس والبأساء الشدة والمكروه إلا أن البؤس في الفقر والحرب اكثر والبأس والبأساء في النكاية ، وقرأ أبو بكر (بينس) على فيعل كضيغم وهو من الاوزان التي تكون في الصفات والاسماء ، والياء إذا زيدت في المصدر هكذا تصيره اسما أو صفة كصقل وصيقل وعينه مفتوحة في الصحيح مكسورة في المعتل كسيد ، ومن هنا قيل فى قراءة عاصم في رواية عنه ( بيئس) بكسر الهمزة إنها ضعيفة رواية ودراية ويخففها أن المهموز أخو المعتل ، وقرأ ابن عامر ( بنس) بكسر الباء وسكون الهمزة على أن أصله بأس بياء مفتوحة وهمزة مكسورة كحذر فسكن للتخفيف كما قالوا في كبد كبد وفى كلمة كلمة ، وقرأ نافع (بيس) على قلب الهمزة ياء كما قلبت في ذيب لسكونها وانكسار ما قبلها ، وقيل : إن هاتين القراءتين مخرجتان على أن أصل الكلمة بنس التي هي فعل ذم حملت اسما كما في قيل وقال ، والمعنى بعذاب مذموم مكروه ، وقرى (بيس) كريس وكيس على قلب الهمزة ياء ثم ادغامها في الياء ، وقيل : على أنه من البؤس بالو او وأصله بيوس كمبوت فأعل اعلاله و(بيس) على التخفيف كهين و ( بائس) بزنة اسم الفاعل أى ذو بأس وشدة ، وقرى غير ذلك ، وأوصل بعضهم مافيه من القراءات إلى ست و عشرين، وتنكير العذاب للتفخيم والتهويل ) بمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ )) متعلق بأخذنا كالباء الأولى ولا ضير فيه لاختلافهما معنى أى أخذناهم بماذكر من العذاب بسبب فسقهم المستمر، ولا مانع من أن يكون ذلك سيبا للاخذ ما كان سببا للابتداء و كذا لا مانع من تعليله بما ذكر بعد تعليله بالظلم الذي في . الصلة لأن ذلك ظلم أيضا، ولم يكتف بالأول لما لا يخفى ( فلما عتوا كم أى تكبروا عن ما نه وا عنه ) أى عن ترك ذلك ففي الكلام تقدير مضاف إذ التكبر و الاباء عن المنهى عنه لا يذم ( قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قردة خاستين ) صاغرين أذلاء مبعدين كل خير والأمر تكويني لا تكليفى لأنه ليس في وسعهم حتى يكلفوا به، وهذا كقوله تعالى : (إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) في أنه يحتمل أن يكون هناك قول وأن يكون الغرض مجرد التمثيل، والظاهر أن الله تعالى أوقع بهم نكالا فى الدنيا غير المسخ فلم يقلعوا عما كانوا عليه فسخهم قردة . وجوز أن يكون المراد بالعذاب البئيس هو المسخ وتكون هذه الآية تفصيلا لما قبلها . روى عن ابن عباس أن اليهود إنما افترض عليهم اليوم الذى افترض عليكم وهو يوم الجمعة فخالفوا إلى يوم السبت واختاروه فحرم عليهم الصيد فيه وابتلوا به فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعا يضا سمانا حتى لا يرى الماء من كثرتها فمكثوا ماشاء الله تعالى لا يصيدون ثم أتاهم الشيطان فقال : . إنما يتم عن أخذها يوم السبت فاتخذوا الحياض والشبكات فكانوا يسوقون الحيتان اليها فيه ثم يأخذونها يوم الاحد، وفي رواية أن رجلا منهم حوتا فحزمه : بخيط ثم ضرب له وتدا فى الساحل وربطه فيه وتركه فى الماء فلما كان الغد جاء فأخذه وأكله فلاموه على ذلك فلما لم يأته العذاب أخذ فى السبت القابل حوتين وفعل ما فعل ولم يصبه شيء فلما رأوا أن العذاب لا يعاجلهم تجاسروا فأخذوا وملحوا وباعوا وكانوا نحوا من اثنى عشر ألفا أو من سبعين ألفا فصار أهل القرية أثلاثا ما قص الله تعالى فقال المسلمون للمعتدين نحن لا نسا كنكم فقسموا القرية بجدار للمسلمين باب وللمعتدين باب وكانت القصة في زمن داود عليه السلام فامنهم فأصبح المسلمون ذات يوم ولم يخرج من المعتدين أحد فقالوا : إن لهؤلاء لشأنا لعل الخمر غلبتهم فعلوا على الجدار فاذا القوم قردة ففتحوا الباب ودخلوا عليهم فعرفت القردة انسابها من الانس ولم تعرف الانس انسابهم منها فجعلت تأتي إلى نسيبها فتشم عان أخذ .
صفحة:روح المعاني09.pdf/93
المظهر