انتقل إلى المحتوى

صفحة:روح المعاني09.pdf/59

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
٥٩

تفسير قوله تعالى: (وأمر قومك يأخذوا با حسنها ) الخ

بخلائقهم كما نقول وإما متعلقة بمحذوف وقع حالا ومفعول يأخذوا محذوف أى أنفسهم ما قيل ، والظاهر أنه مجزوم في جواب الأمر فيحتاج إلى تأويل لأنه لا يلزم من أمرهم أخذهم ، أي إن تأمرهم و يوفقهم الله تعالى يأخذوا ، وقيل : بتقدير لام الامر فيه بناء على جواز ذلك بعد أمر من القول أو ماهو بمعناة كماهنا، وإضافة أفعل التفضيل هنا عند غير واحد كاضافته فى زيد أحسن الناس وهى على المشهور محضة على معنى اللام ، وقيل : إنها لفظية ويوهم صنيع بعضهم أنها على معنى فى وليس به ، والمعنى بأحسن الأجزاء التي فيها، ومعنى أحسنيتها اشتمالها على الأحسن كالصبر فانه أحسن بالاضافة إلى الانتصار ، أى مرهم بأخذوا بذلك على طريقة الندب والحث على الأفضل كقوله تعالى: ( واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم ) أو المعنى بأحسن أحكامها والمراد به الواجبات فانها أحسن من المندوبات والمباحات أو هى والمندوبات على ما قيل فانها أحسن من المباحات وقيل: إن الأحسن بمعنى البالغ فى الحسن مطلقا لا بالأضافة وهو المأمور به ومقابله المنهى عنه، وإلى هذا يشير كلام الزجاج حيث قال : أمروا بالخير ونهوا عن الشر وعرفوا مالهم وما عليهم فقيل: (وأمر قومك) الخ فأفعل نظيره في قولهم: الصيف أحر من الشتاء فانه بمعنى الصيف في حره أبلغ من الشتاء في برده إذ تفضيل حرارة الصيف على حرارة الشتاء غير مرادة بلاشبهة ويقال هنا : المأمور به أباغ في الحسن من المنهى عنه في القبح. و تفصيل ما في المقام على ما ذكره الدماميني في تعليقه على المصابيح ونقله عنه الشهاب أن لا فعل أربع حالات احداها وهى الحالة الاصلية أن يدل على ثلاثة أمور : الأول اتصاف من هو له بالحدث الذي اشتق منه وبهذا كان وصفاً ، ، الثاني مشاركة مصحوبه فى تلك الصفة ، الثالث مزية موصوفه على مصحوبه فيها، وبكل من هذين الأمرين فارق غيره من الصفات ، وثانيتها أن يخلع عنه ما امتاز به من الصفات ويتجرد للمعنى الوصفى، وثالثتها أن تبقى عليه معانيه الثلاثة ولكن يخلع عنه قيد المعنى الثانى ويخلفه قيد آخر ، وذلك أن المعنى الثاني وهو الاشتراك كان مقيدا بتلك الصفة التى هى المعنى الأول فيصير مقيدا بالزيادة التى هى المعنى الثالث ، ألا ترى أن المعنى في قولهم العسل أحلى من الخل أن للعسل حلاوة وأن تلك الحلاوة ذات زيادة وأن زيادة حلاوة العسل أكثر من زيادة حموضة الخل ، وقد قال ذلك ابن هشام فى حواشى التسهيل وهو بديع جدا ، ورابعتها أن يخلع : عنه المعنى الثانى وهو المشاركة وقيد المعنى الثالث وهو كون الزيادة على مصاحبه فيكون للدلالة على الاتصاف بالحدث وعلى زيادة مطلقة لا مقيدة وذلك في نحو يوسف أحسن إخوته انتهى . وعدم اشتراك المأمور به والمنهى عنه فى الحسن المراد مما لا شبهة فيه وإن كان الحسن مطلقا كما في البحر مشتركافان المأمور به أحسن من حيث الامتثال وترتب الثواب عليه والمنهى عنه حسن باعتبار الملاذ والشهوة.وقال قطرب ما نقله عنه محيى السنة: المعنى يأخذوا بحسنها ولها حسن ، وهو ظاهر في حمل أفعل على الحالة الثانية ، وقيل : المعنى يأخذوا بها وأحسن صلة وليس له من القبول عائد . وقال الجبائي: المراد يأخذوا بالناسخ دون المنسوخ ، وقيل : الأخذ بالاحسن هو أن تحمل الكلمة المحتملة لمعنيين أو لمعان على أشبه محتملاتها بالحق وأقربها للصواب ، ولا ينبغي أن يحمل الاخذ على الشروع كما في قولك أخذ زيد يتكلم أى شرع في الكلام، والأحسن على العقائد فيكون المزاد أمرهم ليشرعوا بالتحلى بالعقائد الحقة وهي لكونها أصول الدين وموقوفة عليها صحة الاعمال أحسن من غيرها من الفروع وهو متضمن لأمرهم بجميع ما فيها كما لا يخفى فان أخذ