انتقل إلى المحتوى

صفحة:روح المعاني09.pdf/50

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
٥٠
تفسير روح المعاني

تفسير روح المعانى التي هو عليها حين السؤال من عيران يعقبها صعق لأن قوله عز وجل: إنه ان يرانى حي الخ لا ينفى إلا الرؤية في الدنيا مع الحياة لا الرؤية مطلقا، فمعنى (لن) ترانى) فى الآية لن ترانى وأنت باق على هذه الحالة لا لن ترانى فى الدنيا مطلقا فضلا عن أن يكون المعنى ان ترانى مطلقا لا فى الدنيا ولا فى الآخرة . نعم إن هذا الحديث مخصص بماصح مرفوعا و موقوفا أنه صلى الله تعالى عليه وسلم رأى ربه ليلة الاسراء مع عدم الصعق ، ولعل الحكمة في اختصاصه صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك أن نشأته عليه الصلاة والسلام أكمل نشأة وأعدلها صورة ومعنى الجامعيته صلى الله تعالى عليه وسلم للحقائق على وجه الاعتدال وهى فيه متجاذبة ومقتضى ذلك الثبات باذن الله تعالى ومع ذلك فلم يقع له التجلى الاقى دار البقاء فاجتمع مقتضى الموطن مع مقتضى كمال اعتدال النشأة ، وقد يقال أيضا على سبيل التنزل : لو سلمنا دلالة لن على التأييد مطلقا لكان غاية ذلك انتفاء وقوع الرؤية ولا يلزم منه انتفاء الجواز، والمعتزلة يزعمون ذلك وقولهم: قوله عليه السلام تبت اليك) يدل على كونه مخطئا ليس بشيء لأن التوبة قد تطلق بمعنى الرجوع وأن لم يتقدمها ذنب، وعلى هذا فلا يبعد أن يكون المراد من تبت اليك أي رجعت اليك عن طلب الرؤية » وذكر ابن المنير أن تسبيح موسى عليه السلام لما تبين له من أن العلم قد سبق بعدم وقوع الرؤية في الدنيا والله تعالى مقدس عن وقوع خلاف معلومه ، وأما التوبة فى حق الانبياء عليهم السلام فلا يلزم أن تكون عن ذنب لأن منزلتهم العلية تصان عن كل ما يحط عن مرتبة الكمال ، وكان عليه عليه السلام نظراً إلى علو شأنه أن يتوقف فى سؤال الرؤية على الاذن فحيث سأل من غير إذن كان تاركا الأولى بالنسبة اليه ، وقد ورد «حسنات الابرار سيئات المقربين» ، ، وذكر الامام الرازى نحو ذلك . وقال الآمدي : إن التوبة وان كانت تستدعى سابقية الذنب إلا أنه ليس هناك ما يدل قطعاً على أن الذنب في سؤاله بل جاز أن تكون التوبة عما تقدم قبل السؤال ما يعده هو عليه السلام ذنبا والداعى لذلك ما رأى من الأهوال العظيمة من تدكدك الجبل على ما هو عادة المؤمنين الصلحاء من تجديد التوبة عما سلف إذا رأوا آية وأمرا مهولا ، وذكر أن قوله عليه السلام : ( وأنا أول المؤمنين ( ليس المراد منه ابتداء الايمان في تلك الحالة بل المراد به إضافة الأولية اليه لا الى الايمان ، ولعل المراد من ذلك الإخبار الاستعطاف لقبول توبته عليه السلام عما هو ذنب عنده ، وأراد بالمؤمنين قومه على ما روى عن مجاهد ، وما يشير اليه كلام الزمخشري من أن الآية أبلغ دليل على عدم امكان الرؤية لا يخفى ما فيه على من أحاط خبرا بما ذكرناه ، ومن المحققين من استند في دلالة الآية على امكانها بغير ما تقدم أيضا، وهو أنه تعالى أحال انتفاء الرؤية على عجز الرائى وضعفه عنها حيث قال له : (لن) تراني ) ولو كانت رؤيته تعالى غير جائزة لكان الجواب لست بمرئى ، ألا ترى لو قال : أرنى أنظر الى صورتك ومكانك لم يحسن في الجواب أن يقال لن ترى صورتي ولا مكاني بل الحسن لست بذى صورة ولا مكان . وقال بعضهم بعد أن بين كون الآية دليلا على أن الرؤية جائزة في الجملة ببعض ما تقدم : ولذلك رده سبحانه بقوله : (لن) تراني) دون أن أرى ولن أريك و لن تنظر إلى تنبيها على أنه عليه السلام قاصر عن رؤيته تعالى لتوقفها على معد فى الرائى ولم يوجد فيه بعد ، وذلك لأن لن أرى يدل على امتناع الرؤية مطلقا ولن أريك يقتضى أن المانع من جهته تعالى ، وليس فى لن تنظر تنبيه على المقصود لأن النظر