مبحث فى تفسير قوله تعالى : (لن) ترانى ولكن انظر إلى الجبل) الخ ٤٩ محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم في نوره الذى هو نوره أعنى النور الشعشعاني الذي يذهب بالابصار ، وهو المشار اليه في حديث لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره ، فقد أعظم الفرية ، ومن هذا يعلم مافى » أنه احتمال إرادة عدم الوقوع مع قطع النظر عن الامكان وعدمه . وقولهم : إنه يجوز أن لا يكون ذلك الطلب محرما في شرعه فلا يمتنع يرد عليه أن دليل الحرمة ظاهر، فان طلب المحال لو لم يكن حراما في شرعه عليه السلام لما بلغ في التشنيع على قومه حين طلبوا ماطلبوا على أنا لو سلمنا أنه ليس بحرام يقال : إنه لا فائدة فيه وما كان كذلك فمنصب النبوة منزه عنه ، ومن هذا يعلم ما في قولهم الأخير وأجيب عن قولهم: إن المعلق عليه هو استقرار الجبل حال حركته بأنهم إن أرادوا أن الشرط هو الاستقرار حال وجود الحركة مع الحركة فهو زيادة اضمار وترك لظاهر اللفظ من غير دليل فلا يصح ، و وإن أرادوا أن الشرط هو الاستقرار فى الحالة التي وجدت فيها الحركة بدلا عن الحركة فلا يخفى جوازه ، فكيف يدعى أ محال لذاته؟ ، وبعضهم قال فى الرد : إن المعاق عليه استقرار الجبل بعد النظر بدليل الفاء ، وحين تعلقت أرادة الله تعالى بعدم استقراره عقيب النظار استحال استقراره وإن كان بالغير فعدل عن القول بالمحال بالذات إلى القول بالمحال بالغير لأن الغرض يتم به أيضاً ، وتعقبه السالكوتى وغيره بأنه ليس بشيء لأن استقرار الجبل حين تعلق ارادته تعالى بعدم استقراره أيضاً ممكن بأن يقع بدله الاستقرار إنما المحال استقراره مع تعلق ارادته سبحانه بعدم الاستقرار، ولبعض فضلاء الروم ههنا كلام نقله الشهاب لا تغرنك قعقعته فان الظواهر لا تترك لمجرد الاحتمال المرجوح ، وأجيب عن قولهم لا نسلم أن المعلق بالممكن ممكن الخ بأن المراد بالممكن المعاق عليه الممكن الصرف والخالي عن الامتناع مطلقاً ، ولاشك أن إمكان المعلول فيهما امتنع عدم علته ليس كذلك بل التعليق بينهما إنما هو بحسب الامتناع بالغير فان استلزام عدم الصفات وعدم العقل الأول عدم الواجب من حيث إن وجود كل منهما واجب وعدمه ممتنع بوجود الواجب ، وأما بالنظر إلى ذاته مع قطع النظر عن الأمور الخارجة فلا استلزام بخلاف استقرار الجبل فانه ممكن صرف غير ممتنع لا بالذات ولا بالعرض ما لا يخفى، على أن بعضهم نظر في صحة المثال لغة وإن كان فيه مافيه، وماقيل : إنه ليس المقصود في الآية بيان جواز الرؤية وعدم جوازها إذ هو غير مسؤل عنه بل المقصود إنما هو بيان عدم وقوعها وعدم الشرط متكفل بذلك كلام لاطائل تحته ، إذ الجواز وعدم الجواز من مستتبعات التعليق باجماع جهابذة الفريقين ، وماذكروه في المعارضة من أن (لن) تفيد تأييد النفى غير مسلم ، ولو سلم فيحتمل أن ذلك بالنسبة إلى الدنيا كما في قوله تعالى: (ولن يتمنوه أبدا) فان إفادة التأييد فيه أظهر، وقد حملوه على ذلك أيضا لأنهم يتمنونه فى الآخرة للتخلص من العقوبة ، ومما يهدى إلى هذا أن الرؤية المطلوبة إنما هى الرؤية فى الدنيا وحق الجواب أن يطابق السؤال ، وقد ورد عنه ما يدل على أن في الرؤية مفيد لا مطلق فليتبع بيانه عليه الصلاة والسلام ، فقد أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الاصول . وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال : تلا رسول الله الله هذه الآية (رب أرني) الخ فقال: قال الله تعالى يا موسى إنه لا يرانى حى الا مات ولا يابس الا تدهده ولا رطب الاتفرق وإنما يرانى أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم ، وهذا ظاهر في أن مطلوب موسى عليه السلام كان الرؤية في الدنيا مع بقائه على حالته ، D ( م - - ج -٩- تفسير روح المعانى)
صفحة:روح المعاني09.pdf/49
المظهر