مبحث في قوله تعالى : ( وواعدنا موسى ثلاثين ليلة الخ ٤٣ عنها في يوم . صائف إلى ظل هو أدنى منها فقال له رجل : يارسول الله اجعل لنا ذات أنواط كمالهم ذات أنواط فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إنها السنن قلتم - والذي نفس محمد بيده ـ كما قالت بنو اسرائيل اجعل لنا إلها ما لهم آلهة ، وفى هذا الخبر تصريح بأن القائل رجل واحد ، ولعل ذلك كان عن جهل يعذر به ولا يكون به كافرا والا لأمره صلى الله تعالى عليه وسلم بتجديد الإسلام ولم ينقل ذلك فيما وقفت عليه ، والناس اليوم قد اتخذوا من قبيل ذات الانواط شيئا كثيرا لا يحيط به نطاق الحصر، والأمر بالمعروف أعز من بيض الانوق والامتثال بفرض الامر منوط بالعيوق والأمر لله الواحد القهار ( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ ليلة ) روى أن موسى عليه السلام وعد بنى اسرائيل وهم بمصر إن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب فيه بيان ما يأتون وما يذرون فلما هلك فرعون سأل موسى عليه السلام ربه الكتاب فأمره أن يصوم ثلاثين وهو شهر ذى القعدة فلما أتم الثلاثين أذكر خلوف فمه فتسوك فقالت الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فافسدته بالسواك فأمره الله تعالى أن يزيد عليها عشرة أيام من ذى الحجة . وأخرج الديلمي عن ابن عباس يرفعه لما أتى موسى عليه السلام ربه عز وجل وأراد أن يكلمه بعد الثلاثين وقد صام ليلهن ونهارهن كره أن يتكلم و به سبحانه وريح فيه ريح فم الصائم فتناول من نبات الأرض فمضغه فقال له ربه لم أفطرت؟ وهو أ د؟ وهو أعلم بالذي كان، قال: أى رب كرهت أن أظلمك إلا وفمي طيب الريح ، قال : أو ما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم أطيب من ريح المسك؟ ارجع فصم عشرة أيام ثم اثنى ففعل موسى عليه السلام الذي أمره ربه وذلك قوله سبحانه : ( واتممنها بعشر ) والتعبير عنها بالليالي كما قيل لأنها غرر الشهور . وقيل : إنه عليه السلام أمره الله تعالى أن يصوم ثلاثين يوما وأن يعمل فيها بما يقربه من الله تعالى ثم عندي R أنزلت عليه التوراة وكلم فيها ، وقد أجمل ذكر الاربعين في البقرة وفصل هنا ، ( وواعدنا ) بمعنى وعدنا و بذلك قرأ ابو عمرو، ويعقوب ، ويجوز أن تكون الصيغة على بابها بناء على تنزيل قبول موسى عليه السلام منزلة الوعد ، وقد تقدم تحقيقة . و (ثلاثين) كما قال أبو البقاء مفعول ثان لو اعدنا بحذف المضاف أي اتمام ثلاثين ليلة OF ، أو اتيانها ( قسم ميقت ربه أربعين ليلة ) من قبيل الفذلكة لما تقدم، وكان النكتة في ذلك أن اتمام الثلاثين بعشر يحتمل المعنى المتبادر وهو ضم عشرة إلى ثلاثين لتصير بذلك أربعين ، ويحتمل أنها كانت عشرين فتمت بعشرة ثلاثين كما يقال أتممت العشرة بدر همين على معنى أنها لولا الدرهمان لم تصر عشرة فلدفع توهم الاحتمال الثاني جي بذلك ، وقيل : إن الاتمام بعشر مطلق يحتمل أن يكون تعيينها بتعيين الله تعالى أو بارادة موسى عليه السلام فجيء بما ذكر ليفيد أن المراد الأول ، وقيل : جئ به رمزا إلى أنه لم يقع في تلك العشر ما يوجب الجبر، والميقات بمعنى الوقت ، وفرق جمع بينهما بأن الوقت مطلق والميقات وقت قدر فيه عمل من الاعمال. ومنه مواقيت الحج ، ونصب ( أربعين ) قيل : على الحالية أى بالغا أربعين، ورده أبو حيان بأنه على هذا يكون معه و لا للحال المحذوف لا حالا ، وأجيب بأن النحويين يطلقون الحكم الذى للعامل المعموله القائم مقامه فيقولون في زيد فى الدار إن الجار والمجرور خبر مع أن الخبر إنما هو متعلقه . وتعقب بأن الذي ذكره النحاة في الظرف دون غيره فالاحسن أنه حال بتقدير معدوداً ، وفيه أن دعوى تخصيص الذكر في الظرف خلاف الواقع كما لا يخفى على المتتبع ، وأن مازعمه أحسن مما تقدم يرد عليه ما يرد عليه ، وقيل : إنه تمييز ، وقيل : إنه مفعول به بتضمين
صفحة:روح المعاني09.pdf/43
المظهر