تفسير قوله تعالى ( ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه) الخ ٢٩ على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) ، وقيل : المراد بها علمه تعالى الازلى ، والمعنى مضى واستمر عليهم ما كان مقدراً من اهلاك عدوهم وتوريثهم الأرض رض، و(الحسنى) تأنيث الأحسن صفة للكلمة ووصفت بذلك لما فيها من الوعد بما يحبون ويستحسنون ، وعن الحسن أنه أريد بالكلمة عدته سبحانه و تعالى لهم بالجنة ولا يخفى أنه يأباه السباق والسياق ، والتفت من التكلم إلى الخطاب في قوله سبحانه: (ربك) على ماقال الطيبي لأن ماقبله من القصص كان غير معلوم له صلى الله تعالى عليه وسلم . وأما كونه جل شأنه منجزا لماوعد ومجريا لما قضى وقدر فهو معلوم له عليه الصلاة والسلام ، وذكر فى الكشف أنه ادمج في هذا الالتفات أنه ستتم كلمة ربك في شأنك أيضاً . وقرأ عاصم في رواية (كلمات) بالجمع لأنها مواعيد ، والوصف بالحسنى لتأويله بالجماعة ، وقد ذكروا أنه يجوز وصف كل جمع بمفرد مؤنث إلا أن الشائع في مثله التأنيث بالتاء ؛ وقد يؤنث بالالف نا في قوله سبحانه : (ما رب أخرى) (بما صبروا كم أى بسبب صبرهم على الشدائد التي كابدوها من فرعون وقومه وحسبك بهذا حانا على الصبر ودالا على أن من قابل البلاء بالجزع وكله الله تعالى اليه ومن قابله بالصبر ضمن الله تعالى له الفرج : وأخرج ابن المنذر وغيره عن الحسن قال : لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم بشيء صبروا ودعوا الله تعالى لم يلبثوا أن يرفع الله تعالى ذلك عنهم ولكنهم يفزعون إلى السيف فيوكلون اليه ثم تلى هذه الآية، وفي رواية أخرى عنه قال : ما أوتيت بنو اسرائيل ما أوتيت الا بصبرهم وما فزعت هذه الأمة إلى السيف قط فجاءت بخير . وأقول قد شاهدنا الناس سنة الالف والمائتين والثمان والاربعين قد فزعوا إلى السيف فما مر وقد أغناهم شيئا ولا تم لهم مراد ولا حمد منهم أمر ، بل وقعوا في حرة رحيلة ، ووادى خدبات ، وأم جوكر ، ورموا لعمر الله بثالثة الاثا في ، وقص من جناح عزهم القدامى والخوافى ولم يعلموا أن عيش المضر حلوه مقر وأن الفرج إنما يصطاد بشباك الصبر . وما أحسن قول الحسن : ه عجبت ممن خف كيف خف . سمع قوله سبحانه : وتلا الآية ، ويعلم منها أن التحزن لا ينافي الصبر لأن الله سبحانه وصف بني اسرائيل به مع فولهم السابق لموسى عليه السلام ) أو ذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ) ( ودمرنا ) أى خربنا وأهلكنا (مَا كَانَ يصنع فرعون وقومه ) فى أرض مصر من العمارات والقصور أي دمرنا الذي كان هو. يصنعه فرعون على أن (ما) موصولة واسم كان ضمير راجع اليها وجملة يصنع فرعون من الفعل والفاعل خبر كان والجملة صلة الموصول والعائد اليه محذوف ، وجوز أن يكون فرعون اسم كان ويصنع خبر مقدم والجملة الكونية صلة ما والعائد محذوف أيضا . وتعقبه أبو البقاء بأن يصنع يصلح أن يعمل في فرعون فلا يقدر تأخيره كما لا يقدر تأخير الفعل في قولك: قام زيد وفيه غفلة عن الفرق بين المثال وما نحن فيه وهو مثل الصبح ظاهر, وقيل: (ما) ، صدريه وكان سيف خطيب و التقدير ما يصنع فرعون الخ، وقيل: كان كما ذكر وما موصولة اسمية والعائد محذوف والتقدير ودمرنا الذى يصنعه فرعون الخ أى صنعه ، والعدول إلى صيغة المضارع على هذين القولين لاستحضار الصورة ( وَمَا كَانُوا يعرشُونَ ) من الجنات أوما كانوا يرفعونه من البنيان كصرح هامان ، وإلى الأول يشير كلام الحسن وإلى الثاني كلام مجاهده وقرأ ابن عامر . وابو بكرهنا وفي النحل ( يعرشون) بضم الراء والباقون بالكسر و هما لغتان فصيحتان والكسر
صفحة:روح المعاني09.pdf/39
المظهر