انتقل إلى المحتوى

صفحة:روح المعاني09.pdf/37

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
٣٧

٣٧ تفسير قوله تعالى : (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض) الخ العملة الأخيرة والسبب القريب ولا مانع من تعدد الاسباب وترتب بعضها على بعض قاله الشهاب ونور الحق ساطع منه ، وقال شيخ الاسلام : الفاء و إن دلت على ترتب الاغراق على ماقبله من النكت لكنه صرح بالتعليل ايذانا بأن مدار جميع ذلك تكذيب آيات الله تعالى وما عطف عليه ليكون ذلك مز جرة للسامعين عن تكذيب الآيات الظاهرة على يد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم انتهى، وفيه مناقشة لا تخفى . وَكَانُوا عنها غافلين الضمير المجرور للآيات ، والغفلة مجاز عن عدم الذكر والمبالاة اى بسبب تكذيبهم بالآيات وعدم مبالاتهم بها وتفكر هم فيها بحيث صاروا كالغافلين عنها بالكلية والا فالمكذب بأمر لا يكون غافلا عنه للتنافى بين الأمرين ، وفى ذلك إشارة إلى أن من شاهد مثلها لا ينبغي له أن يكذب بها مع علمه بها، وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن الضمير للنقمة وأريد بها الغرق كما يدل عليه ما قبله ، وعليه فيجوز أن تكون الجملة حالية بتقدير قد ، ولا مجاز فى الغفلة حينئذ والأول أولى كما لا يخفى * وَأَوْرَثْنَا القومَ الَّذِينَ كَانُوا يستضعفُونَ ) بالاستعباد و ذبح الابناء ، والجمع بين صيغتى الماضى والمستقبل للدلالة على استمرار الاستضعاف وتجدده ، والمراد بهم بنو اسرائيل، وذكروا بهذا العنوان إظهارا لكمال وعظم الاحسان اليهم حيث رفعوا من حضيض المذلة إلى أوج العزة ، ولعل فيه إشارة إلى إن الله اللطف بهم و . سبحانه عند القلوب المنكسرة . ونصب القوم على أنه مفعول أول لأورثنا و المفعول الثاني قوله سبحانه : مشرق الأرض ومغاربها كم أى جميع جهاتها ونواحيها ، والمراد بها على ماروى عن الحسن . وقتادة . وزيد بن أسلم أرض الشام ، وذكر محي السنة البغوى أنها أرض الشام ومصر، وفي رواية أنها أرض مصر التي كانت بأيدى المستضعفين ، وإلى ذلك ذهب الجبائي، ورواه أبو الشيخ عن الليث بن سعد، أى أورثنا المستضعفين أرض مستضعفيهم وملكهم ، ومعنى توريثهم إياها على القول بأنهم لم يدخلوها بعد أن خرجوا منها مع موسى عليه السلام إدخالها تحت ملكهم وعدم وجود مانع لهم عن التصرف فيها أو تمكين أولادهم فيها وذلك في زمن داود وسليمان عليهما السلام ، ولا يخفى أنه خلاف المتبادر ما مرت الاشارة اليه - على أن أرض مصر بعد أن فتحت في زمن داود عليه السلام لم يكن لبنى اسرائيل تمكن فيها واستقرار وإنما كان ملك وتصرف وكان التمكن في الأرض | المقدسة ، والسوق على ماقيل يقتضى ذكر ما تمكنوا فيه لاما ملكوه، وأقول قد يقال: المراد بالارض هنا وفيما تقدم من قوله سبحانه : ( عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض) الأرض المقدسة التي طلب موسى عليه السلام من فرعون بنى اسرائيل ليذهب بهم اليها فانها موطن آبائهم فيكون موسى عليه السلام قد وعدهم هلاك عدوهم المانع لهم من الذهاب اليها وجعل الله تعالى إياهم خلفاء فيها بعد آبائهم وأسلافهم أو بعد من هى فى يده إذ ذاك من العمالقة ثم أخبر سبحانه هنا أن الوعد قد نجز وقد أهلكنا أعداء أولئك الموعودين وأورثناهم الأرض التى منعوهم عنها ومكناهم فيها وفى حصول بغية موسى عليه السلام وما ألطف توريث الابناء مساكن الآباء ) التي بر كنا فيها ) بالخصب وسعة الارزاق أو بذلك وبكونها مساكن الانبياء عليهم السلام والصالحين وذلك ظاهر على تقدير أن يراد بمشارق الأرض ومغاربها الشام ونواحيها . فقد أخرج ابن أبي شيبة عن أبي أيوب الانصارى قال ليهاجرن الرعد والبرق والبركات إلى الشام . "