تفسير قوله تعالى : ( قال أو لو كنا كارهين ) الخ تعالى : (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) وهذا من المجاز المعبر فيه عن السبب بالمسبب . وفائدة اختياره في هذه المواضع تحقيق التمكن والاختيار لاقامة حجة الله تعالى على عباده * وقيل : إن هذا القول كان جاريا على ظنهم أنه عليه السلام كان فى ملتهم لسكوته قبل البعثة عن الانكار عليهم أو أنه صدر عن رؤسائهم تلبيسا على الناس وإيهاما لانه كان على دينهم ، وماصدر عنه عليه السلام في أثناء المحاورة وقع على طريق المشاكلة ، وذكر الشهاب احتمالا آخر في الجواب وهو أن الظاهر أن العود هو المقابل للخروج إلى ما خرج منه وهو القرية ، والجار والمجرور في موضع الحال أي ليكن منكم الخروج من قريتنا أو العود اليها كاثنين فى ملتنا فينحل الاشكال من غير حاجة إلى ما تقدم ، ولا يخفى بعده . وإنما لم يقولوا أو لتعيد نكم على طريقة ما قبله لما أن مرادهم أن يعودوا بصورة الطواعية حذر الاخراج عن الوطن باختيار أهون الشرين لا إعادتهم بسائر وجوه الاكراه والتعذيب ، ومن الناس من زعم أن تعودن لا يصلح أن يكون جوابا للقسم لأنه ليس فعل المقسم ، وجعل ما أشرنا إليه أولى فى بيان المعنى مخلصاً من ذلك وهو باطل لأنه يقتضى أن القسم لا يكون على فعل الغير ولم يقل أحد به ، وقد شاع نحو والله ليضر بن زيد من غير نكير و عدى العود بنى إيماء إلى أن الملة لهم بمنزلة الوعاء المحيط بهم ) قال كم استئناف كنظائره أى قال شعيب عليه السلام رد المقالتهم الباطلة وتكذيب الهم في أيمانهم الفاجرة ( أو لو كُنا كير هين ٤٨٨ على أن الهدرة لانكار الوقوع ونفيه ، والواو للعطف على محذوف ، وقد يقال : لها فى مثل هذا الموضع واو الحال أيضا و (لو) هى التى يؤتى بها لبيان ما يفيده الكلام السابق بالذات أو بالواسطة من الحكم الموجب أو المنفى على كل الأحوال المقارنة له على الاجمال بادخالها على أبعدها منه وأشدها منافاة له ليظهر بثبوته أو انتفائه معه ثبوته أو انتفاؤه مع ما عداه من الأحوال بطريق الأولوية ، والكلام ههنا في تقدير أنعود فيها لو لم نكن كارهين ولو كنا كارهين غير مبالين بالاكراد ، فالجملة فى موضع الحال من ضمير الفعل المقدر والمآل أنعود فيها حال عدم الكراهة وحال الكراهة إنكاراً لما تفيده كلمتهم الشنيعة باطلاقها من العود على أى حالة غير أنه اكتفى بذكر الحالة التى هى أشد الأحوال منافاة للعود وأكثرها بعداً منه تنبيها على أنها الواقعة فى نفس الأمر وثقة باغنائها عن ذكر الاولى إغناما واضحا لأن العود الذي تعلق به الانكار حين تحقق مع الكراهة على ما يوجبه كلامهم فلان يتحقق مع عدمها أولى ، وهذا بعض مما ذكره شيخ الاسلام في هذا المقام ، وقد أطنب فيه الكلام وأتى بالنقض والابرام فارجع اليه ، وقد جوز أن يكون الاستفهام باقيا على حاله ، وجعل بعضهم الهمزة بمعنى كيف ، ووجه التعجب إلى العود أي كيف نعود فيها ونحن كارهون و تقدير فعل العود لقوة دلالة الكلام عليه أولى من تقدير فعل الاعادة كما فعل الزمخشري ، و فى التيسير تقدير فعل الاخراج أى تخرجوننا من غير ذنب ونحن كارهون لمفارقة الأوطان ، وقد وجه بأن العود مفروغ عنه لا يتصور من عاقل فلا يكون إلا الاخراج ، ولا يخفى ضعف هذا التقدير * وذكر أبو البقاء أن (لو) هنا بمعنى أن لانها للمستقبل، وجوز أن تكون على أصلها وما أشار اليه شيخ حال مفروض من هی لها الاسلام في هذا المقام أبعد مغزى فليتأمل قد افترينا عَلَى الله كذبا ) عظيما لا يقادر قدره ؟
صفحة:روح المعاني09.pdf/3
المظهر