تفسير روح المعاني وقالوا ) غير واقفين على أن ما أصابهم من الأمرين ابتلاء منه سبحانه ) قَدْ مَسَ ابَاءَنَا ( تامسنا ، ✡ الضراء والسراء ) وما ذلك إلا من عادة الدهر يعاقب في الناس بين الضراء والسراء ويداولها بينهم من غير أن يكون هناك داعية اليهما أو تبعة تترتب عليهما وليس هذا كقول القائل : ثمانية عمت بأسبابها الورى فكل امرئ لابد يلقى الثمانيه سرور وحزن واجتماع وفرقة وعسر ويسر ثم سقم وعافيه ما لا يخفى، ولعل تأخير السراء للاشعار بأنها تعقب الضراء فلا ضير فيها ( فاخذناهم ) عطف على مجموع عفوا وقالوا أو على قالوا لأنه المسبب عنه أى فأخذناهم إثر ذلك ( بغتة ) أى فجأة . وهم لا يشعرون ٩٥ بشئ من ذلك ولا يخطرون يبالهم شيئاً من المكاره ، والجملة حال مؤكدة لمعنى البغتة ، وهذا أشد أنواع الأخذ ما قيل : وأنكأ شئ يفجوك البغت ، وقيل : المراد بعدم الشعور عدم تصديقهم باخبار الرسل عليهم السلام بذلك لا خلو اذهانهم عنه ولا عن وقته لقوله تعالى : (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ) ولا يخفى ما فيه من الغفلة عن معنى الغفلة وعن محل الجملة * ولو أن أهل القرى ) أى القرى المهلكة المدلول عليها بقوله سبحانه: (فى قرية) فاللام للعهد الذكرى والقرية وان كانت مفردة لكنها في سياق النفى فتساوى الجمع، وجوز أن تكون اللام للعهد الخارجي إشارة الى مكة وما حولها. وتعقب ذلك بانه غير ظاهر من السياق، ووجه بانه تعالى لما أخبر عن القرى الهالكة بتكذيب الرسل وأنهم لو آمنوا سلموا وغنموا انتقل الى انذار أهل مكة وما حولها مما وقع بالأمم والقرى السابقة . وجوز في الكشاف أن تكون للجنس، والظاهر أن المراد حينئذ ما يتناول القرى المرسل إلى أهلها من المذكورة وغيرها لا ما لا يتناول قرى أرسل اليها نبي وأخذ أهلها بما أخذ وغيرها كما قيل لاباء ظاهر ما في حيز الاستدراك الآن عنه ) ءامَنُوا ( أى بما أنزل على أنبيائهم ( وَاتَّقَوا ) أي ما حرم الله تعالى عليهم كما قال قتادة ويدخل فى ذلك ما أرادوه من كلمتهم السابقة . و افتحنا عليهم بركت من السماء والأرض ) أى ليسرنا عليهم الخير من كل جانب، وقيل: المراد بالبركات السماوية المطر وبالبركات الأرضية النبات. وأيا ما كان ففي فتحنا استعارة تبعية. ووجه الشبه بين المستعار منه والمستعار له الذي أشرنا اليه سهولة التناول ، ويجوز أن يكون هناك مجاز مرسل والعلاقة اللزوم ويمكن أن يتكلب لتحصيل الاستعارة التمثيلية، وفي الآية على ما قيل إشكال وهو أنه يفهم بحسب الظاهر منها أنه لم يفتح عليهم بركات من السماء والأرض، وفى الأنعام ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء) ، هو يدل على أنه فتح عليهم بركات من السماء والأرض؛ وهو معنى قوله سبحانه: (أبواب كل شيء) لأن المراد منها الخصب والرخاء والصحة والعافية لمقابلة أخذناهم بالبأساء والضراء ، وحمل فتح البركات على ادامته أو زيادته عدول عن الظاهر وغير ملائم لتفسير هم الفتح بتيسير الخير ولا المطر و النبات . وأجاب عنه الخيالي بأنه ينبغى أن يراد بالبركات غير الحسنة أو يراد آمنوا من أول الأمر فنجوا من البأساء والضراء كما هو الظاهر، والمراد
صفحة:روح المعاني09.pdf/10
المظهر