ويجب أن يكون في كل أمة عدد من هؤلاء الأعاظم الذين لولاهم لظل الانسان عائشاً في الكهوف . وتتطلب الجرأة الثورية التي تظهر ما عند صاحبها من الاكتشافات استقلالا ذهنياً يتخلص به من الافكار الجارية بين الناس وحصافة يدرك بها ما تحت المتشابهات السطحية من الحقائق . ٢ - النفسية المجرمة قدر على المجتمعات المتمدنة كلها أن تشتمل على جماعة من المنحطين وشذاذ الآفاق والمذنبين والأشرار واللصوص والقتلة الذين يتألف منهم فريق المدن الكبيرة المجرم، والوازعون لهم ايام السلم انما هم الشرطيون أى رجال البوليس ، ولكن لا رادع لهم أيام الثورات ، فيسهل عليهم فيها أن يقتلوا ويسلبوا ، ومنهم يجمع رجال الثورة جنودهم ، وهم العدم طمعهم في غير القتل والنهب ، لا يبالون بالغاية التي يدافعون عنها ولا يتأخرون ساعة عن الانضمام الى الحزب المتقهقر حينما يكون حظهم من القتل والسلب عنده اكثر. ويضاف الى هؤلاء المجرمين الذين هم داء المجتمعات العضال الفريق الذي يأتى المنكر وقتها يستحوذ عليه الخوف من النظام السائد والذى لا يلبث أن : ينضم الى زمر حينما يعترى هذا النظام وهن . ويتألف من هذين الفريقين جحفل تخل بالنظام ، وعليه يعتمد الثوريون والقائمون بالفتن الدينية والسياسية . العصاة قلنا في فصل آخر إن هذه الفئة المجرمة كانت عظيمة النفوذ أيام الثورة الفرنسية . وقد قص علينا بعض المؤرخين ، وهم خاشعون ، خبر الأوامر التي كانت تحملها الى مجلس وهى مسلحة بحراب على رؤوسها هامات مقطوعة . ولو بحثنا عن العناصر التي العهد كانت تتألف منها هذه الفئة التى ادعت أنها وكيلة الشعب لرأينا أن أكثريتها اللصوص والأشرار وأن أقليتها من ذوى النفوس الساذجة الذين يسيرون حسمها يحرضهم الزعماء . والى اولئك اللصوص والاشرار تعزى المذابح الكثيرة كمذابح شهر سبتمبر وقتل الأميرة لامبال. حقاً إنها أرهبت جميع المجالس التي قامت منذ المجلس التأسيسي حتى مجلس العهد وعاثت فى فرنسة مدة عشر سنين . ولو أن معجزة قضت عليها لكان سير الثورة الفرنسيه غير ما وقع ، فلقد خرجتها بالدماء منذ فجرها حتى غروبها وليس للعقل سلطان عليها وهى للعقل من القاهرين . 100-
صفحة:روح الثورات والثورة الفرنسية (1934) - غوستاف لوبون.pdf/57
المظهر