انتقل إلى المحتوى

صفحة:روح الثورات والثورة الفرنسية (1934) - غوستاف لوبون.pdf/46

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الحقد -11- حقد رجال الثورة الفرنسية على الناس والنظم وكل شيء هو أحد مظاهرهم العاطفية التي تبدو عند البحث في نفسيتهم ، فلم يكتف هؤلاء الرجال بمقت أعدائهم بل مقتوا الخاص ، قال أحد الكتاب حديثاً : « إذا نظرنا الى ما كانوا يصفون أيضاً أعضاء حزبهم . به بعضهم بعضاً لم تر فيهم سوى الخونة والكاذبين وبائعى الضمائر والقتلة والظالمين ،، وما كان مجهولا ذلك الحقد الذى على فى صدور الجيرونديين والدانتونيين والايبربين والروبسبير بين أيام كانوا يتطاردون ، فلم يهدأ هذا الحقد إلا بقتل كل أمرى. من يخالفه . وسبب ذلك هو أن هؤلاء الهائجين لما اعتقدوا أنهم على الحق صاروا كالمؤمنين في كل زمن لا يطيقون مسامحة من لم يكن على مذهبهم، فصاحب الإيمان الديني أو العاطفي يميل على الدوام الى حمل الناس على إيمانه وهو لا يتأخر عن القتل في سبيله اذا استطاع ذلك ولو كان العقل مصدر الأحقاد التى فرقت بين رجال الثورة الفرنسية لم تدم هذه الأحقاد طويلا ، ولكن صدورها عن خلق الندين والعاطفة جعل أصحابها عاجزين عن الصفح، وبما أن مصدرها وأحد عند الأحزاب كلها ظهرت بشدة واحدة عند الجميع، ولقد أثبتت الوثائق الصحيحة أن الجيرونديين لم يكونوا أقل من حزب الموتتانيار سفكا للدماء ، فكانوا أول من صرح مع بيسيون بأنه يجب على الأحزاب المغلوبة أن تبيد ، وقد بين مسير أولاد أنهم حاولوا تسويغ مذابح سبتمبر، وعليه وجب أن لا تعد طريقة الهول من طرق الدفاع بل من طرق الابادة التي يتخذها المؤمنون الغاليون نحو أعدائهم المقهورين ، فالانسان وان تحمل ما يباين أفكاره لا يطيق معتقداً مخالفاً لمعتقده أبداً . لا سلام للمغلوب في المنازعات السياسية والدينية ، هذه سنة لم تتبدل منذ قطع سيللا رقاب متنى عضو من أعضاء مجلس الشيوخ ورقاب زهاء ستة آلاف رومانى حتى رجال الكومون الغالبين الذين قتلوا بالرصاص أكثر من عشرين ألف مغلوب، ولا ريب في أن هذه السنة ستجرى حكمها في المستقبل كما فعلت في الماضي . ولم يكن اختلاف المعتقدات و وحده سبب الأحقاد التي ظهرت أيام الثورة الفرنسية ، بل صدرت تلك الأحقاد أيضاً عن المشاعر الأخرى كالحسد والحرص والعجب، وعبا أوجبته هذه المشاعر مغالاة رجال الأحزاب المختلفة فى الحقد ، فما كان يقع بين الأشخاص من المزاحمة القبض على زمام الأمور كان يسوق رؤساء الأحزاب إلى المقصلة واحداً بعد الآخر.