انتقل إلى المحتوى

صفحة:روح الثورات والثورة الفرنسية (1934) - غوستاف لوبون.pdf/45

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الصلاح و والقضاء الذين كانوا موصوفين بالحلم القلبوا أيام الهول الى أناس متعصبين سفاكين للدماء . حقاً قد يصير المرء بتأثير البيئة الجديدة أمراً آخر، وإن لاح لنا أحياناً أن القائمين بالأزمات الدينية والسياسية العظيمة من جوهر يختلف عن جوهرنا فهم بالحقيقة مثلنا ، ومن تكرار الحوادث نفسها يظهر الأشخاص أنفسهم . وكيف تتألف شخصية جديدة عندما تنحل الشخصية العادية بفعل بعض الحوادث ؟ إنها تتألف بوسائل كثيرة أهمها حيازة معتقد قوى . في المعتقد تألفت الشخصيات التي شوهدت فى الأزمات العظيمة كالحروب الصليبية ، والأصلاح الديني والثورة الفرنسية ، وإننا لعدم تحول البيئة في الأوقات العادية لا نشاهد سوی شخصيات متماثلة في الناس . وقد تصبح هذه الشخصيات متناقضة متشاكسة ، ولكن ذلك يحدث قليلا في الازمنة العادية ، ويكون بارزاً أيام الاضطرابات . وليس الذكاء هو الذي يتغير عند تحول الشخصيات بل المشاعر التي يتألف الخلق منها. عناصر الخلق السائد للثورات نشاهد في أيام الثورات أن المشاعر المزدجرة عادة تسير حرة عند رفع الزواجر الاجتماعية ، ولا ترفع هذه الزواجر المستندة إلى القوانين والتهذيب والتقاليد رفعاً كلياً ، بل يبقى بعضها على رغم الأنقلابات ، وينفع هذا البعض في وقف ثوران المشاعر الخطرة. وروح العنصر أقوى هذه الزواجر ، فهى تحدد تقلبات الأمة وتسيرها على رغم ظواهر الأمور ، فلو نظرنا الى ما قصه التاريخ لظهر لنا مثلا أن النفسية الفرنسية تبدلت كثيراً في قرن واحد أي انتقلت فى سنوات قليلة من نظام الثورة الى النظام الامبراطوري قالى النظام الملكي فالى نظام الثورة فالى النظام الامبراطوري ، والواقع أن ظواهر الأمور وحدها هي التي تغيرت . ولا نوضح حدود تقلب الأمة بأكثر مما فعلنا ، وسنبحث الآن في العناصر العاطفية التي يساعد انتشارها أيام الثورات على تغيير شخصيات الأفراد والجماعات ، وسأذكر من هذه العناصر الحقد والخوف والحرص والحسد والزهو والحماسة، فقد لوحظ تأثير هذه العناصر فى انقلابات التاريخ كلها ولا سيما فى الثورة الفرنسية الكبرى .