-11- لم يمتد شأن الرعاع فى دور امتداده أيام الثورة الفرنسية فمنذ تفلتوا من قيدهم سنة ١٧٨٩ ، أي قبل دور العهد بقليل ، أخذوا في ذبح الناس ، وقد شرحوا المسجونين وهم أحياء ومثلوا بهم تتمتد آلامهم و يتسلى الحضور باضطرابهم ونواحهم . هكذا ا يسير الرعاع عندما تقضى الأيدي الغافلة على الزواجر الرادعة لغرائزهم المتوحشة المنتقلة اليهم بالوراثة ، فلو تكاثف هؤلاء الرعاع طرفة عين لظهر هذا الجسم غولا طاغياً قليل العقل سفاكا للدماء . على أنه يسهل التغلب على هؤلاء الرعاع عندما يقف في وجههم جبار عنيد ، فقد أعانوا كل استبداد وأيقن القياصرة أنهم يصفقون لهم سواء أكاليغولا كان اسمهم أم نيرون أم رو بسير أم بولانجه . وبجانب هذه الزمر المخربة ذات الشأن الكبير فى الثورات نذكر فريق الأمة الذي لا يصبو إلا إلى الجد والعمل كما بينا ذلك سابقاً ، فهذا الفريق وان كان يستفيد أحياناً من الثورات لا يفكر في القيام بها ، ولا يعلم رجال الثورة من أمره الا قليلا . نعم ، قد يجعله الخوف مطيعاً فيقوده الزعماء بنفوذهم إلى اقتراف المظالم ، ولكن مقومات الأمة الوراثية لم تلبث أن يثقل ميزانها فيضجر ذلك الفريق من الثورات فتدفعه روح الأمة الثابتة الى الوقوف أمام الفوضى عندما تستفحل باحثاً عن رئيس قادر على اعادة النظام. وليس لهذا الفريق الهادى، مبادى سياسية سامية أو غامضة ألبتة . فغايته أن يسود الحكم المطلق ، ولذا قام هذا الحكم بعد الفوضي على الدوام ، فقد عقب الحكم المطلق الثورة الأولى عندما هتف لنابليون ، وقد عقب الثورة الثانية عندما رفع الانتخاب العام لويس نابليون الى راسة الجمهورية وأقره على استبداده بالحكم ثم جعله أمبراطوراً ثم استصوب نظامه سنة ١٨٧٠ أي قبيل الحرب الفرنسية البروسية . وجب أن لا تغيب الحوادث التي أشرنا اليها في هذا الفصل بالنا اذا أردنا عن الاطلاع على شأن الامة فى الثورات فللامة شأن كبير فيها ولكنه يختلف عما جاء في الأقاصيص.
صفحة:روح الثورات والثورة الفرنسية (1934) - غوستاف لوبون.pdf/43
المظهر