--- رجال السياسة ويسهبون في ذكر ما له من القوى والفضائل ، وسنبدي رأينا في ذلك عند بحثنا الآن عن شأن الأمة في الثورة الفرنسية . إن الأمة عند المتقدمين والمتأخرين من اليعاقبة، كالآلهة ، ذات شخصية سامية لا تسأل عما تفعل ولا تخطى أبداً ، فالكل مسؤول عن إطاعتها وان جاز لها أن تقتل وتهب وتحرق وتأتي أقسى المظالم وتطرح غداً في الدرك الأسفل من رفعته اليوم إلى مصاف الأبطال ، ولا يعدل رجال السياسة عن السجود أمام أحكامها مسبحين بحمد فضائلها وحكمتها العالية . فما هي حقيقة الأمة أى المعبود الذى يقدسه الثوريون منذ قرن ؟ يمكن تقسيمها إلى قسمين : فالقسم الأول يشتمل على الفلاحين والنجار وأرباب الحرفة أي على من يحتاجون الى السكينة والنظام ليقوموا بمهنهم، ويفضل المؤرخون أمر هذا الفريق الذي هو أكثرية الأمة والذى لا يقوم بالثورات أبداً ويعيش عيش عناء وسكوت . وأما القسم الآخر الذى له شأن مهم فى الفتن القومية كلها فهو ثمالة اجتماعية هادمة ذات نفسية أثيمة أى هو أناس يتألف من مجموعهم - جيوش متمـ موها البؤس و إدمان المسكرات الى لصوص وصعاليك . فالخوف من العقاب يردع الكثيرين من هؤلاء الأخلاط المشائهم عن اقتراف الجرائم في الأوقات العادية ، ولكنهم لا يتأخرون عن أرتكابها عندما تستطيع غرائزهم المنحطة أن تسير حرة ، فهم الذين كانوا يستولون ، بتأثير زعمائهم، على مجالسنا الثورية الكبرى و يقترفون أنواع القتل والنهب والحرق غير مكترثين للنظريات والمبادى. أبداً . و ينضم بنا م بتأثير العدوى الى هذه الطبقة المنحطة جماعة من العاطلين الذين يصرخون مع كل ناعق ويتمردون مع كل متمرد دون أن يفقهوا شيئاً من المسئلة التي يصرخ من أجلها ويتمرد . ولا يعرف الخطباء غير هذه الجماعات المشاغبة الضارة التى هي آلة كل عصيان منذ القديم والمؤلفة من الرعاع الذين قال تيار عنهم : إنهم لم يتغير منهم شيء منذ الأزمنة التي راهم فيها تأسيت يصفقون الجرائم القياصرة، وأنهم يتأهبون لتدنيس المجتمعات باقترافهم أنواع الجرائم مجيبين نداء كل سلطة لوصم كل مبدا .
صفحة:روح الثورات والثورة الفرنسية (1934) - غوستاف لوبون.pdf/42
المظهر