صفحة:رحلة الصيف إلى بلاد البوسنة والهرسك.pdf/14

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ۱٤ –

فألفيته مشتغلًا ببعض المسافرين الذين سبقونا لمثل مآربنا فوقفت بحكم الضرورة أنتظر ريثما ينصرف هؤلاء وفي غضون ذلك كنت أجد مستخدمي (المحطة) مرتدي الثياب التركية حتى خلتني وأنا بينهم في بلاد عثمانية أو بين معشر أتراك. وقد ألفت نظري هنالك رجل نيَّف بطوله على المترين وعرفت أنه حَرَسِيّ من أنه كان يلاحظ النظام. وأذكر أنه لم يقع نظري في تلك الجهات على رجل في طوله. أما من كانوا يتوافدون على (المحطة) من الأهالي فملابسهم في الغالب كملابس الكرجيين (وهي السلطة والسروال) غير أنهم يتعممون بعمائم حمر. وقد لاحظت على فتيانهم أنهم يضعون العمائم على فودهم فتكسو ناحية من الرأس وتدع باقيها مكشوفاً حاسراً وأظن أن منشأ ذلك هو الإعجاب بزهو الحداثة ومَخيلة الشباب وينتعلون في أقدامهم أحذية كأحذية (أولاد البلد) عندنا وهي المسماة (بالمراكيب) غير أنها غريبة في شكلها إذ كانت ذات نعل سميك ممتد بطول القدم يقوم على جوانبه سياج من الجلد وهو أقل ارتفاعاً من المعروف هنا ويختلف في ملابس الأغنياء عنه في ملابس الفقراء بفرق قليل هو أن أولئك يضعون في زمن البرد عليه غطاء من الجلد آخذًا من رؤوس الأصابع إلى ما يداني مفصل القدم. وهؤلاء يتخذونه من الخرقة ونحوها وعلى كل حال يشدُّ ذلك الغطاء بأربطة على ظهر القدم. وكنت أرى في نفس أولئك القوم وداعة وفي أخلاقهم لطفاً وفي عرائكهم لينًا ولعل ذلك كان من أنهم لا يمرُّ بهم السياح كثيراً كما يمرُّون بغيرهم فيجدون منهم ائتلافاً وبهم ائتناسًا.

وبينما نحن على إفريز (رصيف) المحطة نروح ونجيء ريثما يحين وقت الركوب وإذا رجل من أهالي تلك البلاد يتأثر قصصنا ويتبع حركاتنا يسير إذا سرنا ويقف إذا نحن وقفنا فما ارتبنا في أن هذا الرجل من المخبرين السريين ولعله يرقبنا لكونه رآنا لابسي (الطربوش) ويجوز أنه لو لم يرَنا على ذلك الزي لم يتتبعنا كل ذلك التتبع.

ثم إنه اقترب منا وسألنا عن أسمائنا وبلادنا فما وسعني إلا أن أخبره بأسماء صاحبي وحاشيتي أما أنا فأعطيته اسمي الذي تعوَّدت أن أتسمى به في سياحاتي