صفحة:ذو النورين عثمان بن عفان (المكتبة العصرية).pdf/25

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

لا يستهين به عاقل، ولا يقول أحد بالاستغناء عنه من أجل الكذب به أو الكذب عليه، وكذلك كل قيمة غالية من قيم الحياة الإنسانية كالفضيلة والخير والحرية والصدق وما شابهها من فتوح الضمير في آماد التاريخ، مما يحرص عليه الناس أو يصطنعون الحرص عليه، فإنما تكسبها الإنسانية بالتعارف عليها وقبولها أو قبول مقاييسها، ولن تكون القيم جميعًا إلا من هذا القبيل وعلى هذا المثال.

ولقد كان من الناهضين لمحاسبة عثمان - رضي الله عنه - أناس مغرضون يقولون مالا يفعلون ويفعلون غير ما يقولون: كان منهم من أقام عليه الحد، ومَنْ حبس أباه في جريمة، ومَنْ فرَّق بينه وبين حليلة تزوجها على غير الشريعة، ومن أبى عليه الولاية، ومن لم يصنع به الخليفة أمرًا من هذه الأمور، ولكنه كان منطوي النية على الفساد والإفساد، وكل هذه المآرب قد شِيبَتْ بها حركة المحاسبة على أعمال الخليفة؛ فكانت عيبًا للحركة، ولكنها لم تكن عيبًا لحق المحاسبة، ولا إزراء بشأنه ولا بالشأن الذي أكسبته الأمة من تقريره والتعارف عليه، ولولا أنه حق؛ لما تعلل به المبطلون.

وآفة البحث في تطور الأخلاق والقيم الإنسانية أن يتولاه مَن لا يفقهون قيمة النهي عن شيء، بعد أن كان مباحًا غير منهي عنه، ولا يخطر النهي عنه على بال أحد، فإقامة الحدود التي يُؤخذ الناس بالتزامها وينهون عن تجاوزها، هي عنوان الدوافع الباطنية التي غيرت حياتهم، وغيرت نظراتهم إلى الأعمال والأخلاق فأعلنوها في تلك الحدود.

وأضل من هؤلاء من يبحثون في تطور الأخلاق؛ فيأخذونها بالعناوين ويطلقون العنوان الواحد على صفتين مختلفتين أو متناقضتين، ويكاد القس راشدال Rashdall أن يزن الأطوار الأخلاقية بهذا الميزان حيث يقول: «إنه ندر من رذيلة أو جريمة


٢٧

(1) الأمد : الغاية والمنتهى والغضب ، والأمد : المملوء من خير أو شر ، والسفينة الشحونة . (۲) أي القائمين (3) أي المقاصد والغايات (4) شيبت : أي خلطت . (5) الأزراء : التهاون بالشيء