صفحة:داعي السماء.pdf/97

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
داعي السماء

القول بأن بعضًا من النغمات العبرية بقيت بهذه الوسيلة من أيام سليمان، وليست غيرة العرب على المأثورات الدينية بأقل من غيرة العبريين، فلا جرم تسنح لأنغام الأذان فرصة للبقاء في الذاكرة كالفرصة التي سنحت لأناشيد إسرائيل.

فمن الجائز أن الأذان الحديث فيه على الأقل نغمات مشابهة للنغمات التي ابتدأ بها بلال إذ كانت الكلمات نفسها باقية بغير تبديل.

ولعل مصر التي فتحت وبلال بقيد الحياة — مصر بلد الخلود الذي لا يقبل التبديل — قد حفظت دعوة الصلاة كما كانت ترتل في العشرة الثانية بعد الهجرة المحمدية، وقد سمعت الأذان من مؤذنين سمعوه من بلال.

ويرضينا أن نعتقد أن بلالًا نفسه قد أدى الأذان على نحو يشبه أداءه المسموع في مصر الحديثة كما سجله فيلوتو Villoteau، وهو أنغام تذكر السامع برسوم العمارة العربية وتنقسم إلى أجزاء وأجزاء، مما يقع موقع الغرابة في تأثيره على مسامع الغربيين. وقد كان المؤذن الذي سمعه فيلوتو أقرب إلى التفنن من المؤذن الذي سجل لين Lane نغماته في كتابه عن المصريين المحدثين، فإذا بها تنتهي وفي السمع انتظار لبقية تالية … ولعلنا نؤثر أن يكون تلحين بلال من قبيل ذاك الأذان لما فيه من تجزئة النغم التي يألفها العرب وتشبه تلك الخفايا المستغربة في الأصداء الأفريقية. إلا أن النغم الآخر مع هذا يعبر عن بساطته عن جمال ووقار، ويوحي إلى معنى العبادة الخالدة التي لا نهاية لها والتي هي أبدًا في ابتداء بغير ختام، كما يوحي إلى صلاة معلقة تتصل بما بعدها ولو كانت هي آخر صلاة.

96