صفحة:داعي السماء.pdf/91

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
داعي السماء

وتقول الأخبار: إنهما كانتا لعبد الله بن جدعان من سلالة عاد، وإن فترات التاريخ العربي لم تخل من عتقاء أو خلاسين نبغوا في الشعر أو في الفن أو الغناء، ومن هؤلاء الأغربة السود ذلك الأسود الذي نظم إحدى المعلقات ورويت له أغانٍ وأناشيد بين أحسن القصيد، ونعني به عنترة بن شداد.

ومنهم خفاف الشاعر الفارسي ابن عم الخنساء، والشنفرى الذي لم يكن حظه من الشعر بالقليل، وقد شهر الحرب وحده على قبيلة كاملةٍ ثأرًا لحميه الذي قتلوه؛ لأنه ارتضى لبنته زوجًا من غير أكفائها وأقسم لا يهدأن أو يقتل منهم مائة بقتيله. فأصاب تسعة وتسعين منهم ثم أصابوه وقطعوا رأسه وجاء رجل منهم فركله بقدمه العارية فجرح في قدمه وفسد جرحه فمات. فقيل: إن الشنفرى بر بقسمه وهو قتيل.

ويروى عن النبي أنه ود لو شهد عنترة بن شداد، ولعله لم يكن يود ذلك إعجابًا بشعره كما وده لعلمه بجدوى ذلك الفارس الشاعر لدعوته؛ إذ يجنح إليها ويقود لها عتقاء الصحراء جميعًا تحت لواء نبي يبشر بالمساواة.

وطوت روح الإسلام شيئًا فشيئًا قصيد الصحراء الجميل بألوانه الساخنة التي تشبه ألوانها، وحرارته التي تشبه حرارة رمالها ووقدته التي تشبه وقدة سمائها، ولكن الأغربة لم تزل تغني وإن كفت عن نظم المعلقات! ولم يكن بالقليل عدد المغنين السود أو الخلاسيين الذين نبغوا في القرون الثلاثة الأولى بعد ظهور الإسلام، فسعيد بن مذحج الذي صادر الخليفة عبد الملك ماله؛ لأنه فتن أبناء الأشراف بسحر غنائه فأجزلوا له العطايا وضيعوا تراثهم عليه، كان عبدًا من عبيد مكة، وأبو محجن نصيب بن الزنجي لقد لقي الحظوة من أمراء كثيرين وحكام مختلفين منذ أيام عبد الملك إلى أيام هشام. وقد حشا يزيد الثاني فاه درًّا في يوم من الأيام.

وأبو عباد معبد — أمير الغناء في عصره — أطرب ثلاثة من الخلفاء، وغشي على يزيد من الطرب وهو يستمع لغنائه، ومنحه خلفه اثني عشر ألف دينار جائزة واحدة، ومشى في جنازته الوليد الثاني هو وأخوه في ثياب السواد حدادًا عليه، وكان قد مات في قصره.

ويبدو أن سلامة الزرقاء — التي بلغ ثمن القبلة منها أربعين ألف درهم — كانت من سلالة السود، وكانت سلامة القس وحبابة صاحبتها من جواري المدينة المولدات، وتروى قصة من أشجى القصص العربية عن غرام يزيد بحبابة هذه وموته حزنًا عليها.

والأدلة كثيرة على أن أصوات الجواري السود وأساليبهن في الغناء كان لها سحر ملحوظ في نفوس ساداتهن المسلمين، كما يؤخذ من مطالعة أدباء العرب والفرس في

90