صفحة:داعي السماء.pdf/90

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
المؤذن الأول

وقد اشتهرت هذه الدقة عن المسلمين في استجابة داعي الصلاة حتى استخدمت أحيانًا في الإضرار بهم والإغارة عليهم. فاتفق في نيسابور — تلك المدينة المحببة إلى عطار الروح الشاعر المعروف باسم العطار — أن الأذان أعلن لأول مرة غدرًا وختلًا للإيقاع بمن يستجيبون إليه، إذ حدث في السنة الثامنة من القرن السابع أن أغارت على المدينة جموع جنكيزخان، وكان من عادة هذه الجموع التي درجت على الاستئصال والتخريب عادة فريدة بين الأمم في قسوتها وغدرها؛ وهي أن يعودوا إلى المدينة فجأة بعد تخريبها ليعملوا السيف فيمن رجع إليها من أهلها مطمئنًا إلى جلاء العدو عنها أو فيمن يقبلون على الأنقاض المحترقة ليستخرجوا نفائس الأعلاق منها. فلما عادوا إلى نيساوبر على هذا النحو أمر الزعيم المغولي بإقامة الأذان فأقبل إليه بهذه الحيلة كثيرون ممن كانوا يعتصمون بالمخابئ والزوايا المهجورة، وصدق المؤرخ الفارسي حين قال في وصف هذه الجموع:

إنهم يقصدون إلى إبادة نوع الإنسان وفناء العالم ولا يقصدون إلى السيادة أو الغنيمة.

إن جو المأثورات — بما يحفه من الأشعة والهالات — ليرن فيه صوت بلال أبدًا كما رنَّ في الحلم صوت ذلك الغريب في الأكسية الخضر منبعثًا من عالم فردوسي إلهي مسربل بالضياء.

وليس في مقدورنا بعد انقضاء تلك المئات من السنين أن نعرف حقيقة صوت المؤذن الأفريقي، ولا أن نقوِّم مزاياه الموسيقية التي لا شك فيها، ولكننا إذا صح لنا أن نستدل بما قيل في وصفه على طبقته الموسيقية فالأغلب الأقرب إلى الحقيقة أنه كان من طبقة «الباريتون» المعروفة لدينا بالامتداد والغزارة خلافًا للنغمة العربية التي تعرف بشيء من الحدة والنعومة.

ولا يعوزنا السبب لأن نشك في أن أحدًا من المشهورين بين أرباب صناعة الغناء في الجاهلية كان من ذلك العنصر — العربي — الذي وصفه سائح فرنسي فقال: إنه شعب صخاب، وقد أنبأنا الدكتور بيرون Perron في كتابه الممتع عن النساء العربيات الذي نشر بالجزائر سنة 1848 أن معظمهم كان عبيدًا وأن جميع العبيد قبل الدعوة المحمدية كانوا على وجه الإجمال من الحبش أو الزنوج، ولا يبعد أن تكون القينتان المشهورتان باسم جرادتي عاد — ولا يزال لأغانيهما بقية مروية — فتاتين حبشيتين.

89