صفحة:داعي السماء.pdf/88

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
المؤذن الأول

ولم يكن الأذان معروفًا في مستهل الدعوة الإسلامية حين كان المؤمنون فئة قليلة تقيم إلى جوار نبيها، وإنما كان الأذان صيحة مسموعة ينادي بها المنادي إلى الصلاة الجامعة.

ثم عرف الأذان بعد بناء مسجد المدينة وتحويل القبلة من بيت المقدس إلى مكة وكعبتها. إلا أن بيت المقدس لم يزل له شأن في المأثورات الإسلامية ولم يزل عزيزًا في قلوب المسلمين.

ألا يذكر الذاكرون من علامات الساعة الكبرى أن عيسى ابن مريم سيقبل عند حلول الساعة إلى مسجد بيت المقدس قبيل صلاة الفجر، فيشرق المسجد بطلعته ويتقدم إلى محراب الإمام فيبهت أولئك الذين يزعمون أنهم من أتباعه حين يعلن بينهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟

أما كيف خطرت فكرة الأذان فقد كان ذلك بتوفيق عجيب، وفحواه أن النبي حين فرغ من بناء مسجده — الذي يعد على زهادة بنيانه مثالًا للأسلوب العربي في البناء — تبين على الأثر أن دعوة المسلمين إلى الصلاة على النحو الذي اتبعوا قبل ذلك ليست مما يوائم أحوال المسلمين في ذلك الحين! لأنها خلو من ذلك الجلال الذي لا غنى عنه في إقامة الفرائض العامة والشعائر العلنية.

وخطر للنبي في بداءة الأمر أن يتخذ بوقًا للدعوة إلى الصلاة، ولكنه لم يشأ أن يحول القبلة عن بيت المقدس ثم يتخذ لدعوة الصلاة أداة كان يستخدمها اليهود في بعض الصلوات.

ثم خطر له أن يتخذ للدعوة ناقوسًا يدق في ساعات معلومات، ولكنهم لم يجدوا في المدينة من يصنع الناقوس المطلوب.

وإنه ليوشك أن يتخذ للدعوة ناقورًا من الخشب؛ إذ سنحت فكرة الأذان لبعض الصالحين في رؤيا المنام.

فقد رأى ذلك الرجل الصالح فيما يرى النائم أنه لقي على مقربة من داره — وهو يسري في ضوء القمراء — رجلًا طوالًا في ثياب خضر بيده ناقوس جميل، وبدا له أنه قارب الرجل الطوال يسأله أن يبيعه الناقوس. فتبسم الرجل الطوال وراح يسأله: ولأي شيء تريده؟ فقال له: إنما أشتريه للنبي عليه السلام ليدعو به المسلمين إلى الصلاة.

قال الرجل الطوال، وكأنه يزداد في مقاله طولًا: كلا. بل أخبرك بما هو أصلح وأجدى. فخير من ذاك أن ينادي مناد بالدعاء إلى الصلاة من سقف المسجد كما أصنع. وانطلق في ندائه بصوت رنان عجيب سماوي الجلال يبعث الوجل الأقدس في فؤاد

87