صفحة:داعي السماء.pdf/67

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
داعي السماء


ومع هذا قد أجمع الذين وصفوا بلالًا على أنه كان طيب القلب صادق الإيمان، وأنه أبعد ما يكون عن خبث أو كنود، وإنما هو بشرة سوداء على طبع صاف يرى الناس وجوه أعمالهم فيه.

وقد كان أكرم صفاته الفطرية مما يوافق الطاعة وصدق الولاء، فكان إيمانه القوي بالله، وإخلاصه المكين لرسول لله، هما الذروة التي ترتقي إليها محاسن بني جلدته، ومحاسن كل مولى مطيع، سواء أكان ولاؤه ولاء تابع لمتبوع أم ولاء معجب بمن يستحق الإعجاب.

كان حبه لرسول لله هو لب الحياة عنده، وهو معنى الدنيا والآخرة في طوية قلبه، وعاش ومات وهو لا يرجو في دنياه ولا بعد موته إلا أن يأوي إلى جواره وينعم برضاه. وحضرته الوفاة فكانت امرأته تئن وتغلبها النكبة في قرين حياتها فتصيح: واحزناه. وكان هو يجيبها في سكرات الموت: بل وافرحتاه! غدًا نلقى الأحبة. غدًا نلقى الأحبة، محمدًا وصحبه.

على هذا عاش وعلى هذا مات، وما كان له علاقة تربطه بهذا الكون العظيم إلا وهي في جانب منها علاقةٌ بمحمد رسول لله ومحمد سيده ومولاه.

وتلك الزوجة الوفية البارة كانت ترضيه في معظم حالاتها، وكانت لا تخليه من مناكفة في بعض حالاتها؛ كما يتفق أحيانًا في كل عشرة بين الزوجين وفي كل صلة بين إنسانين، فكان يقبل منها كل ما يسر ويسوء إلا أن تمسه في لب اللباب وأصل الأصول ومناط الحياة والكرامة عنده: وهو إخلاصه لرسول لله وصدق الرواية عنه. فاستعظمت يومًا ما يحدثها به عن رسول لله فإذا به يثور ويغضب ويهم بالبطش بها ثم يدع المنزل محنقًا مقطبًا حتى يلقاه الرسول، فيلمح ما به من تغير حال ويعلم سره فيشفق أن يدعه على ما هو فيه وأن يدع لزوجه مظنتها في صدقه.

ويذهب معه إلى بيته فيقول للمباركة: «ما حدثك عني بلال فقد صدق. بلال لا يكذب، فلا تغضبي بلالًا.»

فإذا المولى الأمين هانئ قرير.

وقد أثر عنه هذا الصدق بين الصحابة فكانوا يشكون في أبصارهم ولا يشكون في روايته ونقله. ويروون عنه رواية اليقين في شئون الصلاة والصيام.

ففي صحراء العرب حيث يضيء النهار إلى ما بعد غروب الشمس وتشيع لمحات النور قبل مطلعها كان بعض المسلمين يترددون في مواعيد السحور والإفطار فيقولون:

66