صفحة:داعي السماء.pdf/64

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
إسلام بلال

نعم إن العبيد كانوا أسرع من الأحرار إلى دخول الدين الجديد، ولكن الذي يفهم من ذلك — أو ينبغي أن يفهم منه — أن المصلحة لم تكن عقبة بين العبيد وبين الإصغاء إلى الدعوة الجديدة، وأن الأحرار كانت لهم مصالح تحجبهم عن جمال تلك الدعوة وعن التأمل في صدقها وبطلان ما هم عليه، وفرق عظيم بين القول بأن المصلحة لم تكن عائقًا عن فهم الدين والدخول فيه، وبين القول بأن الدين هو المصلحة التي أرادها المؤمنون، إذ لو كانت المصلحة هي المراد بالعقيدة لما وجدت العقيدة على الإطلاق، ولو وجدت المصالح كما هي موجودة في الدنيا بغير اعتقاد على الإطلاق في شيء من الأشياء. لقد كانت في نفس بلال حاجة إلى الولاء والإخلاص، فصدق النبي الكريم؛ لأنه كان أهلًا لولائه وإخلاصه، وكان خليقًا أن يطمئن إليه ويشعر بالسكينة في الإصغاء إلى قوله والاقتداء بعمله.

وسمع رجلًا ينادي بأن الناس أمة واحدة وأن المؤمنين إخوة، وهو في الذؤابة العليا من بني هاشم أو في الذؤابة العليا من قبائل العرب جمعاء، فكان هذا سبب التصديق والإيمان، وكانت دعوة الرجل الحسيب النسيب التي لا مصلحة له فيها هي البرهان الأول على صدق العقيدة. ولولا انعدام المصلحة في دعوة ذلك الرجل الحسيب النسيب لما أسرع بلال إلى تصديقه والجنوح إليه.

فأما وقد جنح إليه وآمن بدعوته فالمسألة بعد ذلك لن تكون مسألة موازنة بين المعاملات أو مساومة على الزيادة والنقصان، ولكنها أصبحت مسألة راحة بالإيمان أو راحة بغير الإيمان، ولم تكن لبلال راحة بغير ذلك الإيمان بعد أن جنح إليه ومزجه بقلبه وضميره. فصبر في أيام معدودات على عذاب لم يكن ليلقاه من المشركين مدى العمر لو بقي على دينهم كما كان … وقد صبر على بلاء الجسد؛ لأنه مستريح القلب والضمير. على أن المعاملة الحسنة قد جاءت إلى بلال من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب كأحسن ما تصبو إليه الأحلام ويتعلق به الرجاء.

فبلغ من تعظيمه أنه كان ندٍّا لأعظم المسلمين في حياة النبي عليه السلام وحياة «. أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا » : الصديق والفاروق، بل كان الفاروق رضي لله عنه يقول ويقصده بهذا اللقب الرفيع، واتفق يومًا أن أبا سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو بن الحارث ورهطًا من سادة العرب طلبوا لقاء الفاروق وطلبه معهم بلال وصهيب. فأذن لهما حتى يستمع لما يريدان ويفرغ بعدهما لعلية القوم. وغضب أبو سفيان وقال لأصحابه: لم أر كاليوم قط، يأذن لهؤلاء العبيد ويتركنا على بابه؟ وكان سهيل أحكم

63