صفحة:داعي السماء.pdf/53

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
داعي السماء

كان إذا فرغ من الأذان وأراد أن يعلم النبي عليه السلام أنه قد أذن وقف على الباب وقال: حي على الصلاة! حي على الفلاح! الصلاة يا رسول لله. فإذا خرج رسول لله فرآه بلال ابتدأ في الإقامة

وقيل في خصائصأذانه: إنه كان يؤذن حين تدحض الشمس ويؤخر الإقامة قليلًا. أو ربما أخرها قليلًا، ولكن لا يخرج في الأذان عن الوقت. وربما ترنم ببعضالشعر وهو صاعد للأذان رثاءً لحاله وطلبًا للتوبة والرحمة من لله. ومن ذاك أنه سُمع وهو يقول:

مَا لِبِلالٍ ثَكِلَتْهُ أمُّهُ
وابتل مِنْ نَضْحِ دمٍ جبينُهُ
 

وكان من عمل بلال في صحبة النبي عليه السلام قبل بناء المصلى أنه كان يحمل العَنزَة بين يديه ويركزها حيث تقام الصلاة، وكانت هذه العنزة إحدى عنزات ثلاث أهداها نجاشي الحبشة إلى النبي عليه السلام، فأمسك واحدة لنفسه وأعطى كلٍّا من علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب واحدة، واختص بلالًا بحمل العنزة بين يديه أيام حياته، فكان يحملها في العيدين وفي أيام الاستسقاء ويركزها حيث تقام الصلاة، وقيل: إنه كان يمشي بها بين يدي الصديق في خلافته، ثم جعل سعد القرظ يمشي بها بين يدي عمر وعثمان بوصاة من بلال، وهي العنزة التي احتفظ بها الولاة يُمشى بها بين أيديهم بعد عهد الخلفاء.

وقد آخى النبي في المدينة بين المهاجرين والأنصار، فآخى بين بلال وخالد أبي رويحة الخثعمي، وقيل بل بينه وبين أبي عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، أو بين أبي عبيدة بن الجراح، وهو على ما يظهر لبس في الأسماء، والأول هو الأرجح لبقاء الصلة بين بلال وأبي رويحة إلى أن فرقت بينهما الوفاة.

ويبدو من أحاديث النبي عليه السلام لبلال أنه كان يصطفيه؛ لأنه أهل لاصطفاء التربية والتعهد بالنصيحة والتعليم، فكان يقول له: يا بلال! أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل لله، وكان يقول له: عش فقيرًا يا بلال ومت مع الفقراء، وربما عهد إليه في تفريق ما يفضل من المال عنده وقال له: انظر حتى تريحني منه. فيرى بلال القدوة في سيده ونبيه فإذا هو من خيرة المقتدين، ويظل على هذه القدوة حتى فارق الحياة.

وقد أرُِيَ النبي عليه السلام أنه سمع دف نعلي بلال بين يديه في الجنة، فسأله بعد الصلاة: يا بلال! حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة، فإني سمعت الليلة دف نعليك بين يدي في الجنة … فلم يذكر بلال زهده ولا جهاده ولا صبره على العذاب

52