صفحة:داعي السماء.pdf/46

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
الرق في الإسلام

ولكل ضعيف منتمٍ إليه. ولم يكن سرٍّا مجهولًا بينهم أن النبي عليه السلام أحسن إلى مولاه زيد بن حارثة فأنساه أباه وذويه، وجاءه هؤلاء يفتدونه ويعرضون عليه الحرية والعودة إلى أحضان أهله، فآثر صحبة النبي على نعمة الحرية بين معشره الأولين وفي ظلال وطنه الذي فارقه مكرهًا منذ سنين.

فهذا المثال الرفيع قد كان له ولا ريب أثره البالغ في تحبيب الإسلام ونبي الإسلام إلى الأرقاء وغير الأرقاء. ولكنَّ طلب الإسلام عند أولئك الأرقاء لم يكن طلبًا لراحة الجسد ولا مفاضلة بين سيد وسيد أو معيشة ومعيشة.

فإننا لا نعرف في تواريخ العقائد الدينية أن أحدًا يقبل على الدين مساومة على الراحة ورفاهة العيش، ولم يكن طلاب الراحة ورفاهة العيش قط أعوان عقيدة ناشئة في عهدها الأول وهي مقدمة على المغامرة والجهاد تتطلب الضحايا وتفرض على الأتباع ألوان الفداء.

وفي حالة بلال وزملائه خاصة، لم يكن الإسلام راحة لهم ولا انتقالًا من جانب الخطر إلى جانب السلامة والأمان، بل كان على نقيض ذلك انتقالًا من جانب السلامة والأمان إلى جانب الخطر الذي لا يدفعه عنهم دافع. لأن العربي يحميه من الضيم آله وعشيرته ولا يبلغ الأمر مبلغ الخطر على حياته وماله إلا في قتال صريح بعد يأس من الوفاق، ولا حاجة إلى قتالصريح أو غيرصريح لإهدار دم العبد المملوك المرهون بمشيئة مولاه. وأهون من ذلك عند مولاه تعذيبه وإعناته وحرمانه الراحة وضرورات الحياة.

كذلك لم يكن طلب الإسلام عند هؤلاء الأرقاء طلبًا للنقلة من رق ثقيل إلى رق خفيف، أو من سيد قاس إلى سيد رحيم؛ لأن الإسلام في مبدأ أمره لم يكن ليخرجهم من ربقة الأسر عند سادتهم الأقوياء، ولم يكن العتق جزاءً موعودًا لمن يغضب سيده المشرك ويرضي النبي عليه السلام بالدخول في دينه. فإنما جاء العتق مصادفة واتفاقًا بعد تشديد العذاب على أولئك الضعفاء المساكين، وقد كان العذاب يقينًا لا شك فيه، ولم تكن النجاة إلا وعدًا مأمولًا لم تبد تباشيره للعيان.

فمن الخطأ، كما أسلفنا، أن يعلل إيمان العبيد والإماء بأحكام الإسلام في معاملة الأرقاء، أو بالطمع في الراحة والمساومة على حسن المعاملة، فإنما عرفت تلك الأحكام بعد ابتداء الدعوة الإسلامية بزمن طويل، وإنما كان العناء والخطر أول ما يصيب العبد الذي يصبأ عن دين مولاه، وكانت الراحة آخر ما يرجوه من أمل بعيد، إن سلمت له الحياة.

45