صفحة:داعي السماء.pdf/44

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
الرق في الإسلام

وقد تبدل نظام الرق على يد الإسلام في أوسع نطاق للتبديل، أو على أعمق أساسٍ يبنى عليه كل تبديل في أمثال هذه الأنظمة الاجتماعية؛ لأنه عمد إلى أساس التفرقة بين الأجناس والأقوام فمحاه أو عفى عليه.

وعلم الناس أن المؤمنين إخوة، وأنه لا فضل لمسلم على مسلم بغير التقوى، وألقى إليهم في الأحاديث القدسية «أن الجنة لمن أطاعني ولو كان عبدًا حبشيٍّا، والنار لمن عصاني ولو كان شريفًا قرشيٍّا» أو كما قال.

وحصر الرق مع هذا في سبب واحد من أسباب الاسترقاق، وهو الأسر في ميادين الحروب، فلا يملك الرجل أو المرأة بالنخاسة والاختطاف، ولا يعد من العبيد إلا من وقع أسيرًا في ميدان القتال إلى أن يفدي نفسه أو يفديه من يفديه.

وقد مضت مئات السنين بعد ظهور الدعوة الإسلامية فبطل نظام الاسترقاق أو بطلت الحاجة إليه، ولا يزال الأسر مشروعًا والفداء واجبًا، ولو بتبادل الأسرى، أو بشرط من الشروط التي تقوم مقام الفداء، ولا يقع في العقل نظام غير هذا النظام ما بقيت الحروب وبقي الأسر والاستئسار مقبولين في شرعة المتحاربين.

ولم تنته عناية الإسلام بمسألة الرق بتضييق نطاقه وحصره في هذا السبب الوحيد من أسباب الاسترقاق، بل أمر المسلمين بقبول الفداء أو المن وهو الإعتاق بغير فداء: ﴿فَإِمَّا مَنٍّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا [محمد:4]

وأوجب على المسلم أن يقبل من الأسير تنجيم فديته حتى يستوفيها على سنة الرفق والسماحة: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًاۖ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ للهِ الَّذِي آتَاكُمْ [النور: ٣٣]

وقد جعل الإعتاق حسنة تكفر عن كثير من السيئات، وفرضها على الذين يخالفون بعض أحكام الدين كما فرض الصدقات وإطعام المساكين، وجعل وصية الرفق بهم مقرونة بوصية الرفق بالآباء والأقربين: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِۗنَّ للهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:٣٦ ]

وكانت وصية النبي للمسلمين قبيل وفاته «الصلاة وما ملكت أيمانكم» : وتكررت منه عليه السلام أحاديثه في هذا المعنى، حتى قال في بعض تلك الأحاديث «لقد أوصاني: حبيبي جبريل بالرفق بالرقيق حتى ظننت أن الناس لا تستعبد ولا تستخدم»

وتجاوز الإشفاق على الأرقاء من سوء المعاملة إلى الإشفاق عليهم من الكلمة الجارحة، فكان عليه السلام يقول «لا يقل أحدكم: عبدي وأمتي. وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي»

43