صفحة:داعي السماء.pdf/43

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
داعي السماء

فلم تكن معاملة الأرقاء على الوجه الذي أمر به الإسلام مصلحة اقتصادية على فرض من هذه الفروض، بل ربما كان من المصلحة إبقاء الرق على نظامه الأول ليفرغ الأرقاء لأعمال المعيشة والسخرة، ويفرغ الأحرار لأعمال الجهاد والرئاسة. كذلك لا يقال: إن الإسلام تهيَّب النظام القائم في المجتمعات القديمة كما تهيبتها الأديان الروحية فدارت حول المشكلة ولم تقابلها وجهًا لوجه في معظم الأحوال، ولم تأخذ بأيدي العبيد إلا بما كانت تفرضه عليهم من الطاعة وتزجيه إليهم من العزاء المنظور في الدار الآخرة.

فلا يقال: إن الإسلام قد منع رق المسلم وقصر الرق على الأسرى وأوجب لهم حسن المعاملة؛ لأنه كان دينًا يؤمن بالروح، ولا توافق بين الإيمان بالروح وبين بيع الآدميين كثيرة قد وفقت بين الأمرين على نحو « روحية » كما يباع الحيوان … فإن الواقع أن أديانًا من التوفيق.

ولا يقال: إن الإسلام قد جاء بآداب الرفق بالرقيق بعد ذهاب الحاجة إلى تسخير الأرقاء وتبدل الأحوال الاقتصادية في مجتمعات المشرق والمغرب … فإن الواقع أن هذه الحاجة ظلت قائمة في البلاد الشرقية والغربية إلى زمن يذكره الأحياء، ولا تزال قائمة حتى اليوم في بعض الأنحاء.

فإنما هو إذن فضل خالص من علل المادة ودواعي الثروة الاجتماعية، وإنما هو نصرصريح في عالم الروح يحسب للدين الإسلامي وحده بين سائر الأديان. كان في وسع الدعوة الإسلامية أن تمر بنظام الرق في العالم العربي وفي العالم بأسره ثم تتركه حيث كان فلا يحسب عليها ذلك — في حينها — إغضاءً معيبًا تسأل عنه؛ لأن مسألة الرق لم تبلغ يومئذ أن تكون من المسائل الناطقة التي يؤول السكوت عنها بالإغضاء أو المداراة.

ومن المحقق أن الدعوة الإسلامية لم تكن تخسر شيئًا لو أنها أهملت مسألة الرق في أول ظهورها؛ لأن المسلمين على نقيض ذلك كانوا يتجشمون خسارة لا يطيقونها في إعتاق العبيد والإماء. كلما ساءت حالهم عند سادتهم بدخولهم في دين الإسلام. وكان أبو قحافة يمثل الرأي الحصيف وهو يأخذ على ابنه الصديق بذل المال الكثير في سبيل رهط من الضعاف المهازيل يثقلون كاهله ولا يغنون عنه أقل غناء.

فلم يكن ثمة من باعث إلى النظر في إنصاف الأرقاء وهدم نظام الرق القديم غير باعث الفضيلة المثالية، التي تعنى بطلب الكمال ولا تحفل بالمصلحة المادية أقل احتفال.

42