صفحة:داعي السماء.pdf/41

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
داعي السماء

فكان من توفيقاتهم في هذا الباب أن العبد عبد بجسده حر بروحه أمام لله، وأنه في هذه الدنيا عبد وفي الآخرة سيد قد يرتفع إلى مراتب القديسين.

وكتب القديس بولس إلى أهل (أفسس) رسالة أوصى فيها العبيد بالإخلاصفي الولاء لساداتهم كما يخلصون في الولاء للسيد المسيح، وكان الحواري بطرس يأمر العبيد بهذا الأمر ويلزمهم الخشية من سادتهم كأنها أدب من آداب الدين الصحيح، وجاءت الكنيسة فأقرت نظام الرق واعتمده أحبار رومة في المناشير والعظات، وأيده توماس الأكويني كبير فلاسفة النساك والقسيسين وتلميذ أرسطو الذي اشتهر بالعلم والتقوى في القرن الثالث عشر للمسيح. فاستند إلى أقوال رسل المسيحية، كما استند إلى أقوال أرسطو في كتابه عن السياسة؛ لأن أرسطو اعتبر الأرقاء في حكم الآلات التي تراد لعمل من الأعمال، ولم ير في نظام الرق شيئًا يعاب، فما دام في الناس من يعجز عن كفالة نفسه فعليه أن يعيش في كفالة سواه، وتبعه تلميذه الناسك؛ لأن الزهد في الحياة يجعل القناعة بأبخس المنازل أمرًا سائغًا لا غضاضة فيه، بل لعله من المأثور المحمود عند من يرفضون الحياة … وقد واجه الرق بهذا المزاج فحسبه من الحرمان الذي لا يناقضالخطة المثلى في آداب الديانة وفضائل السلوك، وسهل عليه أن يجد للرق مصدقًا من أسر الضرورات وتقييد بعض الحركات ببعض في نواميس الطبيعة وخصائص التكوين.

ومن أعجب العجب أن البلاد التي شاع فيها تحريم قتل الحيوان حتى ما يؤذي منه ولا يفيد — قد بلغت عقائدها القسوة القصوى في معاملة الأرقاء، فإن أناسًا من براهمة الهند كانوا يضربون الذلة على العبيد المعروفين باسم السودرا؛ لأنهم خلقوا من أسفل أعضاء الآلة فلا تبرحهم وصمة الذل ما لبسوا ثوب الحياة، فأيسر ما يعاقب به الرقيق على إغضاب سادته أن يسل لسانه أو يقتل بعد التمثيل به على مشهد من الناس. وكانت الحضارة تلطف من هذه القسوة بعض التلطيف فتجري العادة أحيانًا في الأمم المتحضرة بالشفقة على العبيد والجواري وتخويلهم بعض حقوق المساواة. فكان المصريون الأقدمون يجيزون معاملة الإماء كما تعامل الزوجات الحرائر، ويحكمون بالقتل على من يقتل الرقيق في غير جريرة، ويلزمون الرجل في موقف الحساب بعد الموت أن يبرئ ذمته من إيذاء العبيد والإساءة إليهم، ويجعلون هذا الإبراء جوازًا لا مناصمنه إلى حظيرة الأرباب

ومن مصر أخذ العبرانيون تحريم القسوة على العبيد والأجراء؛ لأنهم كثيرًا ما كانوا يؤدون في مصر عمل الأجراء إن لم يكن عمل العبيد. فجنحت بهم الرغبة والقدوة إلى إنصاف الأرقاء والأحلاس، وأنكروا الإرهاق كما أنكروا الضرب والإيذاء في معاملة الأجراء.

40