صفحة:داعي السماء.pdf/23

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
داعي السماء

الجوهر. فقد يرينا المجهر أن الفروق الكثيرة بين ألوان بني الإنسان إنما هي فروق في درجات التجمع والتوزع في مادة صبغة واحدة متماثلة في الجميع.»

كلام إذا رجعنا به إلى الأسانيد والبينات فهو أقوى سندًا وأثبت بينة من كلام المغرقين في تمجيد الأوروبيين وتفضيلهم على جميع الشعوب، وإذا رجعنا به إلى الهوى فهو أقرب إلى هوانا وأولى بإصغائنا من كلام أولئك المغرقين.

فلا وقائع التاريخ ولا مباحث العلم ولا مشاهدات العيان تؤيد دعوى العنصريين الذين يستخلصون من النوع البشري كله نخبة واحدة ويفردونها بأفضل المزايا وأشرف الأخلاق بين السلالات الإنسانية.

ولكننا نتجاوز الحد المأمون إذا تجاوزنا هذه الحقيقة إلى ما وراءها، فكل ما هو محقق في صدد المفاخر العنصرية، أن العلم لا يؤيد الامتياز المطلق الذي يدعيه العنصريون لبعض السلالات، ولكنه لا ينفي وجود الاختلاف بين العناصر ولا توارث الخصائص الجسدية وما يتعلق بها من الخصال النفسية. فهذه فروق موجودة يزداد ظهورها في بعض الأفراد وينقص في آخرين ولكنها لا تبطل ولا يتأتى لنا أن نتجاهلها ونتجاوز عنها إلا إذا تجاوزنا العيان وأغضينا عن المحسوس الماثل لجميع الأذهان.

وقد يوجد من العنصرين المختلفين شخصان يتشابهان وتصعب التفرقة بينهما على الباحث المحقق فضلًا عن الناظر في عرض الطريق. ولكن التشابه حينًا لا يمنع الاختلاف في جميع الأحيان، ولو ذهبنا نبطل المخالفة بين الأنواع كلما وجدت المشابهة بينها لأمكن إنكار الفارق بين الإنسان والحيوان على هذا القياس، فإذا قيل: إن الحيوان يمشي على أربع أمكن أن يقال كذلك: إن بعض الإنسان يمشي على أربع، وإذا قيل: إن الحيوان أعجم أمكن أن يقال كذلك: إن بعض الإنسان أبكم وإن بعض الطير ينطق كما ينطق الإنسان، وإذا قيل: إن الحيوان مسلوب العقل والتفكير أمكن أن يشار إلى أفراد من الناس لا يعقلون ولا يفكرون. وإذا قيل: إن الإنسان والحيوان لا يتناسلان أمكن أن يقال: إن الكلب حيوان والهر حيوان وهما لا يتناسلان.

فوجود المشابهة في بعض الأفراد لا ينفي المخالفة في عامة الأفراد. وقد يتعذر الفارق الحاسم بلغة العلم المقرر ولكنه مع ذلك يبقى فارقًا حاسمًا إلى أن يوجد التعريف.

والحدُّ المأمون الذي لا نريد أن نتجاوزه في هذا الصدد هو ما أسلفناه من أن الدعوى التي تفرد بعض العناصر بأفضل المزايا وأشرف الأخلاق هي دعوى يعوزها الدليل القاطع من وقائع التاريخ ومباحث العلم ومشاهدات العيان. أما الاختلاف بين خصائص الأجناس فهو موجود لا شك فيه وإن تفاوتت درجات ظهوره في بعض الأفراد.

22