وما يعجز التاريخ عن تعليمه بالسماع يقربه التصوير الصامت بالقدوة والمثال[1]. وقال غريغوريوس واصفاً الكنيسة التي شيدت على اسم الشهيد ثيودوروس: لقد تمكن الفنان من إظهار أعمال هذا الشهيد وآلامه بفنه الملون كأنه يكتب بلسان. فالتصوير الصامت يتكلم على الجدران فيقدم أكبر الخدمات. وذاك الذي ضم الحجارة بالفسيفساء جعل الأرض التي نطأ بأرجلنا جديرة بالتاريخ[2]. والجدير بالذكر لمناسبة الإشارة إلى الفسيفساء أن هذه الصناعة الفنية تقدمت تقدماً ملموساً في القرن الرابع وشاعت في رومة وتوابعها فزينت جدران الكنائس وأرضها. وأروع ما صنع منها في هذا القرن مشهد المسيح محاطاً ببطرس وبولس وسائر الرسل في باسيليقة القديسة برودنسية التي شيدت في عهد البابا سيريقيوس (٣٨٤-۳۹۹)[3].
في القرنين الخامس والسادس: والغريب في التصوير الكنسي في القرنين الخامس والسادس أن المصورين استوحوا بعض مواضيعهم وتفاصيلها من أناجيل الأبوقريفة، وهو أمر ذو بال يوضح، كما سنرى في حينه، نوعاً معيناً من أنواع المقاومة[4]. ومن مميزات التصوير في هذين القرنين الاهتمام الشديد، بعد مجمع أفسس، بتصوير العذراء ملكة السماوات إما وحدها أو محاطة بالرسل أو حاملة بين ذراعيها الطفل يسوع. ومن مميزات هذا العصر أيضاً تصوير الملائكة شباناً بأجنحة على طراز تماثيل النصر الوثنية، وأنجز ديونيسيوس الأريوباغي الكاذب في مستهل القرن السادس رأيه الخيالي في الهيرارخية السماوية فأوحى بذلك بعض مشاهد الظفر في صور هذا العصر[5].
وأصبح بناء الكنيسة في القرن السادس قصر المسيح. فأخذ المهندسون والرسامون وسائر الفنانين عن قصور الأباطرة مخططاتها وطرق تشييدها وأعمدتها وسقوفها وبلاطها وآنيتها وألبستها. وظهر بعض القديسين والشهداء ببرات كبار رجال البلاط الفاخرة الزاهية[6].
الصور الخصوصية: وأقدم المؤمنون منذ تحرر النصرانية على اقتناء صور صغيرة تمثل المسيح أو العذراء أو القديسين. واشتدت عنايتهم بهذه الصور وتعلقوا بها. ومن
- ↑ Hom, XIX.
- ↑ Pat. Gr., Vol. 46, Col. 757; Epist. CV.
- ↑ Mosaïque, Dict. Arch. Chrét. et de Liturgie.
- ↑ BREHIER, L., Art Chrétien, 61, 98; GRISAR, H., Hist. de Rome et des Papes, I, 272.
- ↑ LABRIOLLE, P., Culture Chrétienne; FLICHE et MARTIN, IV, 575-576.
- ↑ BREHIER, L. et BATIFFOL, P., Les Survivances du Culte Impérial Romain, Paris, 1920; GRABAR, A., L'Empereur dans l'Art Byzantin, Paris, 1936.