صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/77

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–٧١–

ج - أما المحكمة فكانت مؤلفة من محلفين اختيروا بالقرعة فيمن كانت سنهم تزيد على الثلاثين، ويظن أن عددهم كان خمسمائة واثنين فكانت المحكمة إذن جمعًا حاشدًا من النوتية والتجار، يتأثرون بالنزعات الشعبية، والتيارات الفجائية، ولا يصلحون بحال للنظر فيما ندبوا له، ودافع سقراط عن نفسه ولا نعلم ماذا قال، ولكنا إذا رجعنا إلى الدفاع الذي كتبه أفلاطون وأجرى فيه الكلام على لسان أستاذه ألفيناه يبدأ بالاعتذار من الكلام بلا تحضير ولا تنميق، ثم يذكر خصومه المتقدمين والمتأخرين فيرد أولًا على الشعراء الهزليين وبالأخص على أرسطوفان فينكر أنه اشتغل بالعلوم الطبيعية وأنه عرض للآلهة بسوء، ويعلل التحامل عليه بامتحانه المشهور، ويلتمس عذرًا لهذا الامتحان رغبته في التحقق من مراد أبولون، وينتقل إلى ملاتوس فيهزأ منه ويلقي عليه الأسئلة ويربكه، ولكنه لا يبسط معتقده الديني ولا يدحض التهمة دحضًا قاطعًا، وربما كان السبب في هذا التهرب إشفاقه على مثل هذه المسائل أن تثار أمام مثل هذه المحكمة، وتحاشيه إهاجة الجمهور على غير طائل، ويعود إلى رسالته ويقول: إن إرادة إلهية أوحت إليه أن يعظ مواطنيه ويحثهم على الصلاح وبعثته فيهم مهمازًا يحفزهم فهو نورهم وهدايتهم والمحسن إليهم بتعاليمه ونصائحه يبذلها لهم؛ ليؤدي واجبًا، ولا يبغي عرضًا من أعراض الدنيا، ويعلن إليهم أنه إذا صرف بريء الساحة فلن يغير من سيرته شيئًا، وكيف يغير وهو لا يخشى الموت، بل يؤثره على الحياة مع خيانة الواجب، وأخيرًا يفوض لهم الأمر بعد أن يذكر أنه يأبى أن يستعطفهم وأن يتنزل إلى ما يتنزل إليه غيره من ضروب الاسترحام المألوفة في المحاكم الشعبية كالبكاء والاستبكاء في حضرة الآباء والأبناء... ولم يكن هذا الشمم وهذا التحدي ليعجبا القضاة، ويقترع هؤلاء وتعلن النتيجة فإذا بالغالبية على أن سقراط مذنب، وكان القانون يخول المتهم حق مناقشة العقوبة المطلوبة