صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/70

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–٦٤–

التلاميذ القدماء وشهد المحاكمة واختلف إليه في سجنه وحفظ له أجمل الذكرى، ولكن كتب أفلاطون محاورات يتوارى فيها وراء شخص سقراط، يستخدمه لأغراضه وينطقه بأفكاره على ما يفعل مؤلف القصص التمثيلي، فكيف السبيل إلى تبين الحقيقة من الخيال والتمييز بين ما لأفلاطون وما لسقراط من آراء؟ المسألة دقيقة، ونعتقد أن المراجع المأمونة هنا المؤلفات الأولى فهي قريبة العهد بسقراط، وغرضها الرواية والمحاكاة يضاف إليها الصفحات التاريخية في «فيدون» وبعض مواضع من المؤلفات الأخرى، ثم إن لأرسطو نصوصًا قليلة، ولكنها صريحة تعين على تصوير المذهب.

ب - اشتد بسقراط الميل للحكمة في سن مبكرة فأخذ يغذي عقله ويهذب نفسه؛ لأنه فهم الحكمة على أنها كمال العلم لكمال العمل، فمن الناحية العقلية أفاد من مناهج السوفسطائيين ولم يأخذ بشكوكهم ونظر في الطبيعيات والرياضيات، ولم يطل النظر؛ لبعدها عن العمل فضلًا عن تناقض الطبيعيين فيما بينهم، واقتنع بأن العلم إنما هو العلم بالنفس لأجل تقويمها، واتخذ شعارًا له كلمة قرأها في معبد دلف هي «اعرف نفسك بنفسك.» ومن الناحية الخلقية كان يغالب مزاجه الحاد ويقسو على جسمه القوي؛ ليروضه على طاعة العقل، فلما تم له بعض ما كان يبتغي طلع على الأثينيين يخوض معهم فيما كان يثيره السوفسطائيون من مسائلَ أدبيةٍ وخلقيةٍ واجتماعيةٍ، والأثينيون يقبلون عليه رغم دمامة خلقته معجبين بحديثه البسيط البليغ معًا وبقوة عارضته وشدة مراسه في الجدل، ولم يكن له مدرسة بمعنى الكلمة بل كان يجتمع بالناس أينما اتفق، فيجادل أو يخطب أو يشرح الشعراء، وكانت له مع ذلك حلقة من الإخوان والمريدين منهم الأثيني ومنهم الغريب يختلف إلى أثينا من حين إلى حين؛ ليراه ويستمع إليه – منهم حديث العهد بالفلسفة، ومنهم المعروف بانتمائه لمدرسة أخرى، وكان يؤثر التحدث إلى