صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/65

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–٥٩–

لقيمته الذاتية ولا لفطرة العقل التي تدفعه لطلب الحق، بل استعملوا العلم وسيلة لجر منفعة غريبة عن العلم، وهزءوا من العقل، فكانوا معلمين وخطباء ولم يكونوا حكماء، هذا هو الموقف الشاذ الأثيم الذي جعل اسمهم سبة على مر الأجيال.

وأشهرهم اثنان: بروتاغوراس وغورغياس.

٢٣ – بروتاغوراس

أ – ولد في أبديرا وعرف فيلسوفها الكبير ديموقريطس، وبعد أن طاف أنحاء إيطاليا الجنوبية واليونان يلقي فيها الخطب البليغة قدم أثينا حوالي سنة ٤٥٠ ولم تطل إقامته فيها لأنه كان قد نشر كتابًا أسماه «الحقيقة» وردت في رأسه هذه العبارة: «لا أستطيع أن أعلم إن كان الآلهة موجودين أم غير موجودين فإن أمورًا كثيرة تحول بيني وبين هذا العلم أخصها غموض المسألة وقصر الحياة.» فَاتُّهِمَ بالإلحاد وحكم عليه بالإعدام وأحرقت كتبه علنًا ففر هاربًا ومات غرقًا في أثناء فراره.

ب – وقد وصلت إلينا من الكتاب المذكور عبارة أخرى هي قوله: «الإنسان مقياس الأشياء جميعًا، هو مقياس وجود ما يوجد منها ومقياس لا وجود ما لا يوجد.» وشرحها أفلاطون كما يلي، قال:1 يتبين معناها بالجمع بين رأي هرقليطس في التغير المتصل، وقول ديموقريطس إن الإحساس هو المصدر الوحيد للمعرفة فيخرج منهما «أن الأشياء هي بالنسبة إليَّ على ما تبدو لي، وهي بالنسبة إليك على ما تبدو لك، وأنت إنسان وأنا إنسان» فالمقصود بالإنسان هنا الفرد من حيث هو كذلك لا الماهية النوعية، ولما كان الأفراد يختلفون سنًّا وتكوينًا وشعورًا، وكانت الأشياء تختلف وتتغير، فإن الإحساسات تتعدد بالضرورة


  1. في محاورة «تيتياتوس» ص١٥٢.