صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/59

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
–٥٣–

على نظام مطرد وأنواع ثابتة؟ أليس الأصح أن عالمه عالم اتفاق ومصادفة؟ بل ما هي علة الحركة منظمة كانت أم مضطربة؟ ونحن نفهم أن الثقل غير لازم بالذات من الكمية ولكن سلبه عن الجواهر يسلب عنها الحركة فتبقى في سكون مطلق، ثم كيف تتفاوت الجواهر بالمقدار وتتفق في عدم الانقسام؟ بل كيف يمكن أن يكون عدم الانقسام خاصية أصلية للجوهر، والجوهر امتداد بحت خلو من كل مبدإ يرده للوحدة؟ وما هو الخلاء وكيف يوجد امتداد غير مقاوم؟ وديموقريطس يعتبر المعرفة الحسية نسبية، ويقول: إن المعرفة الحقة في العقل، ولكنه يجعل العقل صدى الحس، ولا يفسر كيف يرتفع العقل فوق الحس ويدرك اللامحسوسات مثل الجواهر والخلاء، وكيف يتفق الإحساس والعقل للطبيعة المادية بما هي مادية؟

٢١ – أنكساغورس

أ – ولد في أقلازومان بالقرب من أزمير من أعمال إيونية في أسرة شريفة، وتلقى العلم في مدرسة أنكسيمانس على ما يرجح، ولما ناهز الأربعين نزح إلى أثينا وكانت قد بلغت مكانة عالية بعد انتصارها على الفرس وصد غارتهم عن العالم اليوناني، وكان بركليس يستقدم إليها الأدباء والعلماء؛ ليجعل منها مركز اليونان في الثقافة والسياسة على السواء، فلما دخلها أنكساغورس دخلت معه الفلسفة لأول مرة، أقام فيها ثلاثين سنة كان في خلالها قطب الحركة الفكرية، ولما آذن نجم بركليس صديقه وولي نعمته بالأفول أصبح هدفًا لكيد الخصوم السياسيين، واتهمه هؤلاء بالإلحاد؛ آملين أن ينالوا من الرجلين جميعًا، واستشهدوا بما كان قد ذهب إليه من أن القمر أرض فيها جبال ووديان، وأن الشمس والكواكب أجرام ملتهبة لا تختلف طبيعتها عن طبيعة الأجسام الأرضية كما