صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/45

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–٣٩–

فيبين أن العالم المحسوس لا يفسر بغير ما يقتضيه التغير من اجتماع الوجود واللاوجود، وأن هذا الاجتماع غير معقول وأن التغير وهم؟

د – ومهما يكن من هذه المسألة ومن تشخيص الوجود في كرة مادية متصلة هي مع ذلك واحدة غير منقسمة، فإن ميزة بارمنيدس هي أنه فيلسوف الوجود المحض تجاوز عالم الأعداد والأشكال، وبلغ إلى الموضوع الأول للعقل وهو الوجود، ولقد بهره معنى الوجود فلم يعد يرى غير أمر واحد هو «أن ما هو موجود فهو موجود ولا يمكن ألا يوجد»، وأن «الوجود موجود، واللاوجود ليس موجودًا، ولا مخرج من هذه الفكرة أبدًا» فكان أول فيلسوف جرد مبدأ الذاتية1 ومبدأ عدم التناقض (٦٥–ج) وأعلنهما صراحة وجعل منهما أساس العقل الذي لا يتزعزع في نفس الوقت الذي كان هرقليطس يهوي فيه على هذا الأساس بكل قوته، ولئن لم يفطن بارمنيدس إلى أن الوجود والواحد يقالان على أنحاء عدة، ولم يفرق بين معانيهما المختلفة فعذره أن هذه المعاني لم تكن قد تميزت بعد وأنها لن تتميز إلا على يد أرسطو (٥٥–ب) وحسبه فخرًا أنه ارتفع إلى مبادئ الوجود ومبادئ العقل بقوة لم يسبق إليها فأنشأ الفلسفة الأولى أو الميتافيزيقا، واستحق أن يدعوه أفلاطون «بارمنيدس الكبير».

١٧ – زينون الإيلي

أ – هو تلميذ بارمنيدس نكاد لا نعرف شيئًا عن حياته سوى أنه ائتمر بطاغية مدينته فانكشف أمره فأذيق عذابًا أليمًا احتمله بثبات عظيم حتى الموت، وإذا أخذنا برواية أفلاطون2 قلنا: إنه وضع كتابًا في شبابه قصد به إلى تأييد


  1. «كل موجود فهو موجود.»
  2. محاورة «بارمنيدس» ص١٢٧ (أ)، ١٢٨ (ج).