صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/34

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
– ٢٨ –

العالم من نظام وتناسب «فرأوا أن هذا العالم أشبه بعالم الأعداد منه بالماء أو النار أو التراب، وقالوا: إن مبادئ الأعداد هي عناصر الموجودات، أو إن الموجودات أعداد، وإن العالم عدد ونغم.»1 وقالوا أيضًا: «إن الأعداد نماذج تحاكيها الموجودات دون أن تكون هذه النماذج مفارقة لصورها»2 إلا في الذهن، والقولان يرجعان إلى واحد مؤداه التوحيد بين عالم الموجودات وعالم الأعداد، وساعد على هذا التصور أنهم لم يكونوا يتمثلون العدد مجموعًا حسابيًّا بل مقدارًا وشكلًا، ولم يكونوا يرمزون له بالأرقام، بل كانوا يصورونه بنقط على قدر ما فيه من آحاد، ويرتبون هذه النقط في شكل هندسي، فالواحد النقطة، والاثنان الخط، والثلاثة المثلث، والأربعة المربع، وهكذا، وكانوا من ثمة يصفون الأعداد بالأشكال فيقولون: الأعداد المثلثة والمربعة والمستطيلة؛ أي التي تصور بنقط مرتبة بشكل مخصوص، فخلطوا بين الحساب والهندسة ومددوا في المكان ما لا امتداد له، وحولوا العدد أو الكمية المنفصلة إلى المقدار أو الكمية المتصلة، ثم لم يُجدهم ذلك شيئًا في تفسير الطبيعة؛ لأنهم إنما «أصابوا خصائص الجسم الرياضي لا خصائص الجسم الطبيعي، ولم يفسروا الحركة والكون والفساد، وهي أمور بادية في العالم المحسوس، ولم يبينوا علة ثقب التراب والماء وخفة النار وسائر الخصائص في الأجسام المحسوسة، ولكنهم ركبوا الأجسام الطبيعية من الأعداد؛ أي إنهم ركبوا أشياء حاصلة على الثقل والخفة من أشياء ليس لها ثقل ولا خفة.»3

ب – وهذا هو السبب في أنهم لم يضعوا في العلم الطبيعي رأيًا جديدًا، بل


  1. أرسطو: ما بعد الطبيعة م١ ف٥ ص٩٨٥ ع ب س٢٣–٣٥ وص٩٨٦ ع ا س١–٥.
  2. المرجع المذكور م١ ف٦ ص٩٨٧ ع ب س١٠–١٢ و٢٤–٣٠.
  3. المرجع المذكور م١ ف٨ ص٩٨٩ ع ب س٣٠، ٩٩٠ ع ا س١٦.