صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/29

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
— ٢٣ —

الفصل الثاني

الفيثاغوريون

١١ – النحلة الأرفية:

أ – كان من جراء وقوف اليونان على الأفكار الشرقية أن تبدلت أفكارهم الدينية واصطنعوا إلى جانب الديانة الأهلية ديانات سرية متوخين غاية جديدة هي الاتصال بالآلهة والمشاركة في سعادتهم متخذين سبيلًا إلى تحقيقها ممارسة طقوس معينة يعتقد فيها الصلاحية لذلك على مثل ما هو معروف في السحر، وأهم هاته الديانات «الأرفية»؛ نسبة لشاعر من أهل تراقيا اسمه أرفيوس يستحيل علينا معرفة حياته وآرائه ومنشأ نحلته؛ لكثرة ما روي عنه من الأخبار المتضاربة، وأضيف إليه من الكتب المتناقضة، ولكن التاريخ عرف الأرفية أول ما عرفها في القرن السادس ذائعة ذيوعًا قويًّا؛ وبالأخص في إيطاليا الجنوبية وصقلية، والمذهب قائم على أسطورة مؤداها أن تزوس وهب ديونيسوس (إله الحب، وهو ابنه من ابنته بِرْسِفون) السلطان على العالم، وهو ما يزال طفلًا فغارت منه هيرا زوجة تزوس وألبت عليه طائفة من الآلهة الأشداء هم «الطيطان» فكان ديونيسوس يستحيل صورًا مختلفة ويردهم عنه إلى أن انقلب ثورًا فقتلوه وقطعوه وأكلوه، إلا أن الإلهة بلَّاس (مينرفا) استطاعت أن تختطف قلبه فبعث من هذا القلب ديونيسوس الجديد، وصعق تزوس الطيطان وخرج البشر من رمادهم. الإنسان مركب من عنصرين متعارضين: من العنصر الطيطاني وهو مبدأ الشر، ومن دم ديونيسوس وهو مبدأ الخير، ويجب عليه أن يتطهر من الشر وهذا أمر عسير لا تكفي له حياة أرضية واحدة، بل لا بد من سلسلة