صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/130

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–١٢٤–

الفصل الخامس

السياسة

٤٠ – المدينة الفاضلة

أ – السياسة عند أفلاطون العدالة في المدينة، كما أن الفضيلة العدالة في الفرد؛ لذلك يفتتح القول في «الجمهورية» بالرد على السوفسطائيين والبرهنة على أن العدالة قائمة على الطبيعة لا على العرف، وغرضه أن يبني مدينته على أساس من العدالة متين، ثم ينظر في الاجتماع فيقرر أنه ظاهرة طبيعية ناشئة من تعدد حاجات الفرد وعجزه عن قضائها وحده، تألف الناس أولًا جماعات صغيرة تعاونت على توفير المأكل والمسكن والملبس، ثم تزايد العدد حتى ألفوا مدينة، فلم تستطع أن تكفي نفسها بنفسها، فلجأت للتجارة والملاحة، هذه المدينة الأولى مدينة الفطرة، مثال البراءة السعيدة، ليس لها من حاجات إلا الضرورية وهي قليلة ترضيها بلا عناء، يقنع أهلها بالشعير والقمح والخضر والثمار والخمر الخفيفة فيعيشون عيشة سليمة ويعمرون، لا يعرفون الفاقة ولا الحرب. ولكن هذا العصر الذهبي انقضى يوم فطن الناس إلى جمال الترف والفن فنبتت فيهم حاجات جديدة واستحدثوا صناعاتٍ لإرضائها، وضاقت الأرض بمن عليها، فنشبت الحروب وتألفت الجيوش، هذه المدينة الثانية هي المدينة المتحضرة وهي عسكرية، فعلى أية صورة نبني مدينتنا لنحقق فيها العدالة؟ يجب أن نشخص بأبصارنا إلى «المدينة بالذات»: نجد أن بينها وبين النفس شبهًا قويًّا، فإن للمدينة ثلاث وظائف: الإدارة والدفاع والإنتاج، تقابل قوى النفس الثلاث: الناطقة والغضبية