في قرية المنية ووجه منها خطاباً إلى حامية طرابلس ذكرهم فيه بأنهم من رعايا السلطان وطلب إليهم أن ينقادوا لأوامره وكتب بمثل هذا إلى مصطفى آغا بربر1. ثم نهض إلى طرابلس فوصلت طلائع جيشه إلى أبوابها. وما أن فعلت حتى خرج إليهـا إدريس بك بأورطة من ألالاي الثامن عشر فرد هذه الطلائع على أعقابها ولحق بها إلى السهل خارج المدينة وإلى شمالها الشرقي فكرت عليه كرة مفاجئة أسفرت عن تقهقره وضياع قسم كبير من وحداته المقاتلة. وعندئذ تجرَّأ عثمان باشا وتقوى قلبه فهاجم طرابلس بقواته في الحادي والثلاثين من آذار فخرج لقتاله اللبنانيون بقيادة أميرهم خليل الشهابي فكسروا الخيالة في السهل وقلعوا الأرناؤوط من التل وجدوا في أثرهم حتى بلغوا البدّاوي ثم عادوا ظافرين2. وكان الأمير خليل قد لمس عطفاً من رجال الدين في طرابلس وأعوانهم على عثمان باشا وما فتئ أن تيقن ذلك عندما وقعت رسالة عثمان باشا إليهم في يد مصطفى آغا برير تبين منها أنهم فاوضوه بتسليم المدينة إليه. فاتفق ومصطفى آغا بربر على اعتقال القاضي والمفتي وبعض الأعيان ووضعهم في القلعة وكتب إلى والده يخبره بذلك كله3. فنهض إبراهيم باشا على رأس قوة مؤلفة من عشرة آلاف مقاتل منها ألاي الغارديا وألاي الخيالة السابع وستة مدافع فوصل إلى البترون في السابع من نيسان سنة ١٨٣٢ (٥ ذي القعدة سنة ١٢٤٧) وبات فيها تلك الليلة. وما أن تحقق عثمان باشا من وصول خصمه إلى البترون حتى استولى عليه الذعر وترك خيامه وجرحاه ومقدار من الذخائر والجبخانة وفر شمالاً. وتليت أخبار هذا الفرار في خيمة الأمير بشير الشهابي في معسكر عـكة وكان بين المستمعين الشيخ حسين عبد الهادي والشيخ أحمد عبد الحليم والشيخ محمد طاهر الحسيني مفتي القدس فدعوا جميعهم بالنصر «وقرأ المفتي الحديث لعنة الله على السلطان الضعيف»4. ثم أرسل إبراهيم باشا الأمير عبدالله الشمالي إلى المنية ليضبط مخلفات عثمان باشا وجد هو في أثره إلى حمص. ولدى وصوله إليها تقبل طاعة أهلها وعلم أن طلائع الجيش السلطاني كانت قد وصلت إلى حماة. فصمم على ضربها ضربة حاسمة ولكنه عاد فآثر التراجع إلى بعلبك ليكون أقرب إلى نقطة التموين التي كان قد أنشأها في زحلة وأقام على حراستها فرقة من اللبنانيين بقيادة الأمير قاسم الشهابي
صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الأول (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/76
المظهر
٧٠
بشير بين السلطان والعزيز