فبرج كريم بتشديد الياء. ثم أحاط هذا السور الخارجي بخندق يماثل الخندق الداخلي، وحين تزايد خوف عبدالله باشا من جنده في الداخل وأعدائه في الخارج أكمل فيما يظهر قلعة داخل السور الداخلي كان قد بدأ بإنشائها الجزار من قبله وأطلق عليها اسم برج الخزنة، وكان قد بولغ في تحصينها فحفرت فيها الآبار وأنشئت فيها المستودعات العميقة والمسالك المعرجة والأبواب الخفية وما إلى ذلك من أساليب الدفاع في ذلك العصر. أكملها عبدالله فيما يظهر فأمر بحفر الأسطر التالية فوق بابها وهي لا تزال قائمة في مكانها:
عبدالله باشا والي إيالت صيدا ومتصرف لوا غزة ويافة
ومحافظ عكة وثغور بلاد الشامية راجياً بذلك الثواب
الملك الوهاب يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من
أتى الله بقلب سليم سنة ١٢٣٤1
وكان صاحب عـكة كما ـوردنا سابقاً لا يزال شاباً فأنشأ طائشاً معجباً بنفسه وبقلعته. وكان الشهابي الكبير أمير لبنان قد أرسل إليه من يرده إلى الصواب ويحثه على الرضوخ للعزيز موجباً عدم نسيان المعروف ولكن الوالي الشاب أجاب: «إنني أعرف شجاعة الأمير فكيف أهملها الآن. فالدولة لم تسمح برفع الحصار عني إلا بعد عجز عساكرها. وقد عجز بونابرتة عن فتح عكة وكانت محصنة بسور واحد فكيف يقدر عليها العزيز وهي الآن محصنة بسورين. وماذا يقدر محمد علي أن يصنع معي. هل هو أكثر من وزير فأنا وزير مثله فليكن الأمير شجاعاً كما أعهده»2.
وكان إبراهيم باشا لا يزال في حيفا ينتظر وصول إبراهيم يكن باشا وعساكره إليها ويدبر إدارة البلاد المجاورة فعين الشيخ أحمد عبد الحليم «شيخ مشايخ» الساحل وألح على الشهابي الكبير بوجوب حضوره إلى الأوردو. فأجاب الأمير بأن سبب تأخره عن الحضور هو قطع دابر الفساد الذي كاد يدب بين الناس من جراء تواتر الأخبار بقدوم العساكر المنصورة وجس النبض في جميع أنحاء البلاد قبل القيام منها إلى عكة. وطلب الأمير إصدار مرسوم شريف بحضوره لغاية في نفسه يفصح عنها لدى وصوله شفاهاً. فأمر إبراهيم باشا بإصدار هذا المرسوم.