صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الأول (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/61

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٥٥
الفصل الرابع: العزيز والسلطان

٢ - موقف الباب العالي: أخلص العزيز الطاعة للسلطان ربع قرن من الزمن ومحضه الود والنصح. ولم يكن السلطان قليل الوفاء جاحداً أو غبياً أبله لا تمييز له أو متطرفاً في الحمية على التقاليد لا يذعن للحق ولا يريد الإصلاح. ولكنه قبض على زمام الحكم في عصر تأخر وانحطاط كثرت فيه الثورات الداخلية إن في البلقان واليونان أو في الأناضول والعراق والجزيرة العربية ومصر1 واشتدت فيه روح الاستئثار بالسلطة والانفصال عن السلطنة فتأصلت في نفس السلطان روح الخوف والجزع ولم يعد بإمكانه الصبر على ما نزل به فخرن واضطرب. وقلَّ في ذلك العصر الإخلاص للدولة والملة وغلب فيه الحسد على الرجال والطمع. ففسُدت البطانة وبفسادها فسدت الأحكام. وكان كلما ازداد العزيز قوة وعزاً ازداد حسد حساده في الآستانة وكثرت وشاياتهم. وفي مقدمة هؤلاء محمد خسرو باشا المشار إليه آنفاً.

وارتاب السلطان في أمر العزيز منذ أول عهده في الولاية كما سبق فأوضحنا ولكن الظروف قضت بغض النظر عنه فبقي في منصبه حتى قوي وعظم شأنه. وكان من دواعي الارتياب في نوايا العزيز اتصاله ببعض الخارجين على السلطان زعماء البلقان والأناضول والشام وقبول بعضهم في مصر مما أدى إلى امتعاض السلطان وإلى توجيه التكدير الرسمي له بذلك. قال محمد رؤوف باشا في رسالة له إلى محمد علي باشا في منتصف السنة ١٨١٦: «لا بد من إلقاء القبض على محمد بك ابن حسن باشا الألوانلي الذي التجأ الى مصر والتحق بجيش إبراهيم باشا - لا بد من إلقاء القبض عليه وإرساله إلى الآستانة أو إعدامه في مصر خوفاً من أن يقال أن جميع المضغوط عليهم من قبل الدولة العلية يلتجنون إلى طرفكم»2. وكان قد سبق للعزيز أن قبل كنج يوسف باشا في حماه وحاول استصدار العفو عنه وإعادته إلى منصبه السابق والياً على دمشق3. وفي السنة ١٨٢٨ كتب الصدر الأعظم محمد سليم باشا إلى العزيز يقول إن ما ورد من النقود الذهبية المصرية من فئة الخيرية يحمل العبارة «ضرب في مصر» وإن مثل هذا العمل بعد تجاسراً على الحضرة السلطانية ولذا فإنه يرجوه أن يمتنع عن سك النقود الذهبية4. وبعد هذا ببضعة أشهر لم يتورع العزيز عن مخالفة السلطان في


  1. والإشارة هنا إلى ثورة علي باشاقيه ديلتلي وحرب العرب وثورة البوشناق ومصطفى باشا الإشقودري وداود باشا وغير ذلك. اطلب أخبارها في تواريخ الدولة العثمانية.
  2. المحفوظات الملكية المصرية ج١ ص١٦
  3. المحفوظات نفسها ج۱ ص۱ و۲ و٤
  4. المحفوظات أيضاً ج۱ ص۱۰۲