الثورة في جزيرة كريت وفي المورة نفسها وبعد أن أتم كل هذا وفي أواخر السنة ١٨٢٧ كتب العزيز إلى ممثله في الآستانة محمد نجيب أفندي أن يسعى لدى ثلاثة من كبار رجالهـا شيخ أفندي وياور أفندي ومهري أفندي لإحالة الشام إلى عهدته مشيراً إلى مطامع الدول وحراجة الموقف ومؤكداً أن المحافظة على مصر وما يليها تقضي بضم الشام إليها. وكتب إلى شيخ أفندي مباشرة موجباً إسناد إيالة الشام إليه وإيالة الرومللي إلى ابنه إبراهيم «كي يجندا من يلزم ويقوما بالدفاع عن الملة»1.
ثم أعلن الروس الحرب على الدولة. واقتحموا حدودها وتوغلوا في أراضيها فعاد السلطان إلى العزيز يستعين به فكتب هو يؤكد ولاءه ويظهر استعداده لإرسال جنوده إلى الآستانة ولكنه رأى أن طريق البر أسلم من طريق البحر نظراً لاتفاق الدول وكثرة بوارجهم في البحر2 فأجابه الصدر الأعظم أنه لا يرى ما يوجب القلق من إرسال العساكر بحراً لمحاربة الروس وإنه إذا كان لا بد من إرسالهم براً عن طريق يافة فإنه يرى من الموافق أن يسيروا دفعات متوالية لا دفعة واحدة3.
وأعاد العزيز الكرة قبيـل الحرب الشامية كما سنرى فطالب بالإيالات الشامية للمرة الأخيرة. ولا يفهم إلحاحه هذا إلا على ضوء رغبة صادقة في إصلاح الدولة أو يأس حلّ به من إمكانية الوصول إلى تفاهم مع رجال هذه الدولة أو الاثنين معاً أو أن يكون العزيز طامعاً بما طمع به عظماء الرجال من قبل فرأى في احتلال الشام مقدمة حربية لعمل أوسع وأكبر. والواقع أنه كان مسلماً مخلصاً في دينه يقوم بأداء الفرائض بكل نشاط وأنه كان يعترف بتأخر «الملة المحمدية» بتعبير ذلك العصر وبضعف الدولة العثمانية وبعجزها عن حماية هذه الملة وبوجوب الصمود لطمع أوروبة وجشعها ودفع شرها عن «الملة». فهو يقول في کتاب أرسله إلى ابنه إبراهيم عند تأزم العلاقات بينه وبين الباب العالي وبمناسبة تدخل الدول الأوربية ما معناه: «لا تهدف الدول إلى تعضيد الدولة العثمانية ولكنها ترمي إلى إضعاف الطرفين كي يتسنى لها الاستيلاء على البلاد الإسلامية بسهولة. ولذا فإن قبول تدخل هذه الدول خيانة للملة ولتمام استقلالها. فبدلاً من أن نقبل هذه الخيانة فنذكر باللعنة إلى يوم القيامة