طريقه بعض رجال الآستانة والإنكليز والمماليك1. وكان ما كان من أمر القبودان باشا سنة ١٨٠٥ وموسى باشا سنة ١٨٠٦ والحملة الإنكليزية على مصر سنة ١٨٠٧ وذبح المماليك سنة ١٨١١ ومؤامرة لطيف باشا سنة ١٨١٣.
وتبصّر الباشا في أمره منذ أوائل عهده فسعى سعياً حثيثاً لإيجاد المال الذي لا يقوم حكم بدونه فلجأ بدافع العجلة إلى وسائل سلفائه وطالب متولي الحسبة العام المعلم جرجس الجوهري بحساب السنوات الخمس الفائتة فحصل بذلك منه مبلغاً كبيراً ثم فعل بباقي متولي الحسبة في الأقاليم ما فعله بجرجس فاجتمع لديه مـال وافر ثم عاد إلى جرجس مرة ثانية فدفع وهرب والتجأ إلى المماليك. واستولى يوماً على بضاعة قادمة من السويس ولم يتركها إلا بعد أن دفع أصحابها ألف كيس. واتهم يوماً آخر بطريرك الروم بـنه ساعـد جرجس الجوهري على الفرار فغرّمه بمئة وخمسين كيساً، ووضع يده على عقارات نساء المماليك ولم يردها إلا مقابل مبلغ من المال. ولكنه على الرغم من هذا بقي بحاجة إلى المال فجمع العلماء والوجهاء وأطلعهم على متأخرات العساكر واقترح أن يصرح له بقبض ثلث إيراد الأملاك. فضج هؤلاء وقالوا قد يصير هذا عادة فقال الباشا نكتب فرماناً ونقول فيه لعن من يفعله مرة أخرى، فرضي الوجهاء وانفرجت الأزمة إلى مدة قصيرة. ثم عاد إلى نفسه وشحذ ذهنه فعادت إلى مخيلته اختباراته الأولى في التجارة. فاحتكر التبغ والتنباك وأنقص كمية الذهب من العملة. ثم أمر بفحص جميع الصكوك العقارية وأنكر صحة معظمها. وأمر كشاف الأقاليم بالاستيلاء على جميع هذه العقارات باسم الحكومة، ولم يبق منها على أصله إلا ما كان عقاراً مبنياً أو بستاناً. والواقع أن العزيز لم يغتصب ملكية الأراضي اغتصاباً فالسلطان سليم الفاتح كان قد اعتبر نفسه مالكاً لأراضي مصر وترك لصاحب الأرض حق الانتفاع بها. وما فعله هو كان قد سبقه الخلفاء إليه من قبل منذ الفتح العربي. ولم يحدث هؤلاء بدورهم شيئاً جديداً إذ أن مصر لم تعرف نظاماً آخر لملكية الأراضي طوال العصور القديمة، وبالتالي فجل ما فعله العزيز من هذا القبيل لم يكن سوى محاولة تطبيق القانون والانتفاع به. وتبع هذا الانقلاب بطبيعة الحال انقلاب آخر هو احتكار الحاصلات. ذلك أن الفلاح المصري لم يكن من اليسار بحيث يستطيع أداء الضرائب نقداً فأداهـا عيناً وأنشأت الحكومة المخازن لجمعها كما أنه لم يستطع أن يبتاع لنفسه أدوات الزراعة والمواشي
- ↑ للتبسط في هذا راجع تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر لعبد الرحمن الرافعي جـ ٣ ص ۱۲-٣۹