وسبت نساءهم وأولادهم وما فتئت حتى انقادوا للطاعة. وقام الوزير بعد ذلك إلى طرابلس فدخلها وحاصر قلعتها حصاراً طويلاً1.
احتلال دمشق: ولو أن والي دمشق توقف عند هذا الحد ولم يتحد لبنان لكان ذلك أفضل له ولذويه. ولكنه تطلع إلى البقاع وضمر السوء للبنان ولعاهله الكبير فأقال من الحكم في بعلبك الأمير جهجاه الحرفوش صديق الشهابي الكبير وفوض الأمور إلى أخيه الأمير سلطان الحرفوش ثم أمر برفع يد الدروز عن عدد من قرى البقاع مدعياً حرية التصرف بها. وطلب إلى وكيله في طرابلس علي بك الأسعد أن يجمع من إيالة طرابلس سبعة آلاف غرارة من الخطة وأن يطلب بعضها من الشهابي الكبير بصفته أمير بلاد جبيل والبترون. فضاق صدر الأمير الكبير وأجاب الأسعد في طرابلس أنه «لا يمكنه أن يجري على بلاده عوايد مستجدة». فغضب الوالي وأمر وكيله ألا «يصرّف» الأمير كالعادة في حكم بلاد جبيل وألا يوجه له الخلع. وعندئذ بات الأمير ينتظر الفرص لضرب خصمه ضربة قاضية. واتصل بسليمان باشا والي صيدا واطلعه على واقع الحال فشدد عزمه ونصح إليه بالاستعداد للحرب.
وبعد مضي فترة من الزمن لم تتجاوز الشهرين في الأرجح ظهرت طلائع الوهابيين في أفق حوران، فاضطر الكنج أن يستعد لمكافحتهم وطلب إلى زميله والي صيدا أن يوافيه بالرجال فأوعز هذا إلى الأمير اللبناني أن يجمع ما أمكنه من الرجال وأن يلاقيه إلى طبرية. وكان ذلك في تموز من السنة ١٨١٠. فأدرك الأمير أن الفرصة سنحت وجيش خمسة عشر ألف مقاتل وقام بهم من لبنان إلى طبرية بطريق مرجعيون. وما أن أطل على عسكر الباشا حتى هبت العساكر لاستقباله بالموسيقى وإطلاق النار وساروا أمامه حتى وصلوا به إلى خيمة الباشا «فالتقاه هذا بالإكرام وحياه بالسلام وقبله بين عينيه وأثنى عليه».
وكان الكنج قد قام بعساكره إلى حوران لنجدة شمدين آغا متسلم إربد وعجلون الذي كان قد حصر في قلعة المزيريب. وعندما وصل الباشا بعساكره الوافرة وأطلق مدافعـه إرهاباً خاف الوهابيون لقلة عددهم وتراجعوا إلى حدود البادية. ومـا أن علم سليمان باشا والأمير الشهابي بواقع الحال حتى قررا القيام إلى دمشق بعساكرها واحتلالها وخلع الكنج يوسف من منصبه بالقوة. ويقال أن الباب العالي كان قد ضجر من تسويفات الكنج يوسف
- ↑ المؤلف نفسه ج ۲ ص ٥۲۰ - ٥۳۹