حوران وبعد أن فرغ بارودهم تسلمهم الكنج وذبح منهم نصفهم وعاد إلى دمشق بخمسين هجاناً1. وفي شهر محرم من السنة ١٢٢٢ (آذار سنة ١٨٠٧) عاد أمير الحج عبدالله باشا والي دمشق والحجاج معه دون أن يؤدوا فريضة الحج. «وكان ذلك من العجايب لأنه لم يكون جرى قط أن الحاج يرجع من دون الوصول»2. فاغتاظ الباب العالي لذلك وعزل عبدالله باشا وولى الكنج يوسف محله.
وكان هذا شامي الأصل نشأ في حماه وترعرع فيها ودخل في خدمة الملا إسماعيل كبير الدالاتية فيها فترقى عنده حتى أصبح دالي باش3 ثم خدم عبدالله باشا العظم المشار اليه آنفاً وأحمد باشا الجزار وإبراهيم باشا قطرآغاسي. وعاد إلى خدمة عبدالله باشا بعد توليه إيالة دمشق فعينه متسلماً عليها في أثناء قيامه بمهمة الحج4.
وكان الباب العالي قد أفهم الوالي الجديد أي الكنج يوسف أن أقدس واجبـاته تأمين الحج وكبح جماح الوهابيين فهبَّ مذ تسلم أزمة الحكم في الإيالة يعدُّ النفوس للجهاد ويطبق الشرع الشريف فنهى عن المنكر ومنع المسكر وأغلق الملاهي وأبعد النساء الخاطبات وحرم الموسيقى وصان ألسنة العباد من المسافهة والمشاتمة. نهى الوزير الجديد هذا كله وأنزل أشد العقوبات بمن خالف أوامره، ثم منع التدخين خارج البيوت وحرم أكل الحلويات وأكره الذكور من شبان وكهول وشيوخ على الالتحاء. ونفَّذ بعض النصوص الشرعية القديمة بحق النصارى واليهود وألحَّ على بعضهم بوجوب التدين بالإسلام. ثم التفت إلى الإدارة فقبض على البعض من وجوه الإنكشارية وأذاقهم عذاباً أليماً وعاسر الدنادشة في تل كلخ وضواحيها ولم يسامعهم حتى دفعوا مئة كيس من النقود ثم كتب إلى مصطفى آغا بربر بوجوب التخلي عن القلعة كما أشرنا وتسلم الأحكام في طرابلس خارجهـا فأبى وعندئذ قام الوزير بعساكره إلى حماة لتأديب النصيرية ولإنزال العقاب بصاحب طرابلس ولدى وصوله إلى منطقة النصيريين فرّ النصيريون من القرى والضيع والتجأوا إلى القلع إلى حصن مصياف والقدموس وغيرهما، فتقدمت إليهم العساكر ونهبت أموالهم وحرقت زرعهم