صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الأول (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/33

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٢٧
الفصل الثالث: التدخل اللبناني

وكانت نجد والأحساء والعارض وما جاورها مقطعة الأوصال ليس فيهـا إلا السيف فاصلاً واصلاً.

وكان القتل على الإجمال الطريق الأسهل إلى الاستيلاء والسيادة، فقام محمد ابن سعود يدعو إلى التوحيد على طريقته وبطريقة زملائه فدوخ من دوخ من جيرانه. ثم قـام ابنه عبد العزيز فحمل رايات التوحيد إلى أماكن بعيدة في ذلك العصر في البوادي والحضر. ولم يقلق الدولة شيء من هذا حتى دخل سعود ابن عبد العزيز كربلاء نقطة الدائرة في شفاعة الأولياء وذلك في السنة ١٨٠٠ وهدم القبة فوق قبر الحسين ونهب البلد. وفي السنة ١٨٠٣ دخل أيضاً مكة ظافراً وشرع في هدم القباب فرق قبورها. ثم اتجه نحو المدينة فدخلهـا عنوة في السنة ١٨٠٥ ووجه كتاباً إلى السلطان سليم الثالث يقول فيه ما معناه: أما بعد فقد دخلت مكة وأمنت أهلها وهدمت ما هنالك من أشباه الوثنية وألغيت الضرائب إلا ما كان منها حقاً وثبت القاضي الذي وليته أنت فعليك أن تمنع والي دمشق ووالي مصر من المجيء بالمحمل والطبول والزمور إلى هذا البلد المقدس. فإن ذلك ليس من الدين1.

واهتمت الدولة للأمر وطلبت إلى واليي بغداد والبصرة أن يجردا حملة على هؤلاء «الموحدين»، ففعلا والكنهما لم يفلحـا. وألحت كذلك على الجزار والي صيدا وطرابلس ودمشق وأمير الحج بالأمر نفسه. ولكنه كان قد بلغ أقصى الكبر وعجز وضعف. ثم عينت محمد باشا أبا مرق قائداً لحملة على الحجاز فدخل دمشق وانتقل منها إلى يافة وأقام فيها فخالف أوامر الدولة ولم يكترث لها. وفي السنة ١٨٠٥ أرسلن الدولة إلى دمشق خمسة وزراء لتعيين العساكر ومواكبة الحجاج وحمايتهم. ولكن أحدهم كان قد أدمن على شرب الخمر فلم تفارقه لحظة من الزمن. وكان يجلس لماقرتها ويضع سلاحه أمامه فإذا غضب على امرئ قتله بيده. فأطلق الشوام عليه لقب «سكران باشا». وسار الحجاج وسار الباشوات معهم وانتهوا إلى قرب المدينة ثم عادوا من حيث أتوا بعد أن مـات منهم عدد عظيم وبين هؤلاء سكران باشا2.

وكانت قد اتجهت أنظار الموحدين إلى الشمال فوصلوا في غزواتهم إلى الجوف والبتراء واجتازوها إلى الكرك وحوران. ووصل منهم في السنة ١٨٠٦ إلى أطراف حوران ثلاث مئة «رديف» فخرج إليهم الكنج يوسف بعسكر من دمشق وحاصرهم في قرية من قرى


  1. تاريخ نجد لأمين الريحاني ص ۲٥ - ٥۸
  2. لبنان في عهد الأمراء الشهابيين ج ٢ ص ٤٣٥-٤٣٦