وهكذا فإن الولايات الشامية في أوائل القرن التاسع عشر كانت رابضة تحت مظالم ولاتها ومطامع قضاتها ومفاسد جنودها.
الخطر السعودي: وكانت الجزيرة العربية قد تمخضت مرة أخرى فأتت بمحمد ابن عبد الوهاب وسعود ابن عبد العزيز. وولد محمد هذا على شيء من الشذوذ فإنه أظهر القرآن حفظاً بلا كتاب قبل العشرة وبلغ الحلم قبل الاثنتي عشرة. وقرأ على والده ولكنه لم يكتف فرحل طالباً وزار الحجاز والأحساء والبصرة وأقام فيها ودرس على أشياخها. وكان لطيفاً محسناً شنوقاً حليماً ولكنه لم يكن يهاود أو يلين في يقينه فإنه مذ رأى وجوب الرجوع إلى الشرع والقرآن قبل كل شيء نبذ الشفاعة وحرمها ثم أزالهـا. ورأى في الآية ﴿قُل لِّلَّهِ ٱلشَّفَٰعَةُ جَمِيعًا ۖ لَّهُۥ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ رأى في هذا ما كفاه فحرّم زيارة الأولياء للتشفع ومنها قبر صاحب الرسالة. ومن هنا نشأ الخلاف بينه وبين أهل السنة الذين يرون في صاحب الرسالة الشفيع الأكبر. وفيما سوى هذا فإن المصلح النجدي هو سني حنبلي، قال في إحدى رسائله: «الحق والصواب ما جاءت به السنة والكتاب وما قاله وعمل به الأصحاب وما اختاره الأئمة الأربعة المقلدة في الأحكام المتبعة فقد انعقد على صحة ما قالوه بالإجماع». وفي الثانية والأربعين من عمره - ١٧٤٥ - بايع محمداً ابن سعود أمير الدرعية على أن يكون إماماً يتبعه المسلمون. وتعاهد الإثنان على كلمة التوحيد ونشرها بين العرب. فحاربا العلماء بالعلم والجهلة بالسيف.