العثمانية قد غضت النظر عن جبايتها أجيالاً طوالاً فانحطت كرامتها وقل نفوذها وأصبح جباة هذه الخوَّة أسياداً في مناطقهم منهم آل أبي غوش في الطريق المؤدي من يافة إلى القدس وآل رستم في الطريق المؤدي من اللاذقية إلى حلب عبر جسر شغور والدنادشة في تل كلخ بين طرابلس وحمص. ومما قاله في هذا نص مرسوم وجهه إلى قاضي القدس ومفتيها ونقيبها وأعيانها وجاء فيه: «إنه ليس خافيكم أن القدس الشريف محتوي على معابد وأديرة ترد لأجل زيارتها جميع أملال العيسوية والموسوية وفرقهم من كل فج ويقصدونهـا من ساير الأقطار والديار فبحسب تواردهم كان يحصل عليهم المشقات الباهظة لسبب الأغفار الموضوعة بالطرقات ولأجل إجراء الوفق بين الناس صدرت أوامرنا إلى جميع المسلمين الذين في إيالة صيدا وألوية القدس ونابلس وجنين برفع هذه الأغفار من جميع الطرقات والمنازل بوجه العموم»1. ورأى العزيز أن لا بد من جمع السلاح وتجريد السكان منه لتوطيد الأمن في البلاد فأمر بذلك وشرع عماله بالتنفيذ. وما أن بدأ هذا حتى ثارت القبائل والعشائر وقد رأوا ترك أزواجهم خيراً لهم وأجل وأشرف من ترك بنادقهم، فكان لا بد من تجريدهم بالقوة كما سنرى في محله.
أما عن العدل فحدث عنه ولا حرج فالشام لم تنل من العدل في أي عهد مضى منذ أيام عمر بن الخطاب ما نالته في ظل العزيز فقد قال هذا الرجل الكبير في رسالة له وجهها إلى أحد رجاله ناظر الجهادية: «كنت أود أن نكون قد تخلصنا من الشعوذة والغفلة والرخاوة والغرض والضغينة والمحاباة التي طالما ألفناها ومللناها في الأيام الخالية وأن يكون ذلك العهد قد مضى وانقضى وبدلنا به عهداً يقوم على أساس الإنصاف والإنسانية والكياسة والعدالة والاجتهاد والغيرة بحيث يتسنى لنا نحن أيضاً أن نصرف عملنا وننجز مصلحتنا على أسلوب من اللطف والحسنى يدخلنا في مصاف البشرية الراقية»2. هذا هو العزيز وهذا هو رائده في الحكم. فإذا ما ذكرنا حزمه ونشاطه ومثابرته ومتابعته لما يصدر عنه أدركنا قيمة هذا القول وأثره في توجيه القضاة ورجال الإدارة والجيش.
وفهم العزيز عقلية شعبه فهماً تاماً فأمر بشدة العقاب وسرعة التنفيذ جاعلاً أحكامه وتنفيذها عبرة لمن يعتبر. ومثال ذلك أنه عندما تشاكى كبار الموظفين انتشار الرشوة في دوائرهم في بر الشام أمر العزيز بالتثبت ما يقال وسمح بالشنق عند ثبوت الجرم فنفذ حكم