كان أبوه يدبر أموال إبراهيم بن المهدى ويقوم على أراضيه، فاكتسب بذلك خبرة مالية كبيرة، فلما جاء إلى مصر استخدم مقدرته المالية، فاستغل بعض الأراضي المصرية من الدولة الطولونية: ويتقبل الأرض (يلتزمها) ويستأجرها. وأحيانا يملكها ويزرعها ويتاجر في محصولاتها، ونحا ابنه (مؤلف كتابنا) منحاه، فكان أديبا عالما ماليا معا، يؤلف الكتب، ويقول الشعر، ويستغل الأرض.
والمهارة المالية التي من هذا القبيل كان لها مزايا وكان لها مضار، فأهم مزاياها: أن صاحبها ينغمس في غمار الناس فيعرف حياتهم، وتفاصيل سلوكهم، ونوع عقليتهم، ويخير الدنيا خبرة تامة. وأهم مضارها: أنها كانت تعترض صاحبها في كثير من الأحيان إلى الأهوال والأخطار، فلم تكن الحكومات في ذلك العصر قائمة على ما نعرف من العدل وحفظ الأمن على المال والنفس، بل كانت المعاملات وخاصة ما اتصل منها بالحكومات عرضة للظلم والفساد. فكثرت المصادرات، وكثر قتل الأنفس للاستيلاء على الأموال إلى غير ذلك من ضروب العسف. وتقرأ تاريخ مصر وتاريخ العراق في ذلك العصر، فترى اضطرابا وفسادا من هذه الناحية لا حد له، وقلما تقرأ سنة من سنی التاريخ في تلك الأيام من غير أن يسجل فيها ظلم بين وشره بين.